إنشاء محاكم اقتصادية ضرورة... وعلى المشرِّع تأقيت التقاضي

قرابة 7 آلاف طعن تجاري متراكمة أمام «التمييز» تؤخر الفصل في التعاملات التجارية

نشر في 26-11-2019
آخر تحديث 26-11-2019 | 00:04
No Image Caption
في الوقت الذي تتزايد أعداد القضايا المتداولة أمام المحاكم، ومن بينها القضايا التجارية التي تقع بين التجار أو الكيانات التجارية من مواطنين أو مستثمرين، تعاني منظومة التقاضي بطئاً شديداً في الفصل بالقضايا التجارية، وخصوصاً تلك المعروضة أمام محكمة التمييز التجارية لاسيما بعدما كشفت الإحصائية الأخيرة للمحكمة أن عدد الطعون التجارية المتراكمة أمام محكمة التمييز يقارب 7 آلاف طعن.
بينما تشتكي المحاكم الإجراءات الإدارية المعقدة التي تتسبب بها بعض الإدارات كالإعلان أو التنفيذ، لم تنظم القوانين الكويتية ميعاداً زمنياً لفصل المحاكم في الدعاوى المعروضة أمامها، وهو الأمر الذي قد ينعكس على التعاملات التجارية التي تبقى عرضة للتقاضي الطويل.

ويقول أستاذ القانون المدني في كلية الحقوق د. فايز الكندري إنه مع تطور التشريعات التي تصاحب التغيير في أنماط الاستثمار والتجارة التي يفرضها التنافس بين الشركات، فضلاً عن استخدام التقنيات الحديثة وتوظيفها لإنجاز هذه الأعمال، «فنحن بحاجة فعلية لدوائر أو محاكم متخصصة لنظر المنازعات والبت فيها بالخبرة والدراية التي تتطلبها وبالوقت المقبول، وهذا على غرار دائرة أسواق المالية المعنية بنظر منازعات قانون هيئة أسواق المال وكذلك دائرة الاستقرار الاقتصادي».

ولفت الكندري إلى أن تخصص الدوائر يجب أن يقابله تخصص القضاة والمستشارين فيه، وإلا يكون غير مجدٍ، مضيفاً: «نحتاج لقضاة ومستشارين متخصصين بالمجال في قضايا أسواق المال والاستثمار والبنوك والتأمين، فالدوائر المتخصصة من قضاة ومستشارين غير متخصصين غير منطقية، ولا تحقق الأهداف المنشودة».

وعن رأيه في إلغاء طريق الطعن بالتمييز في المنازعات التجارية لسرعة التقاضي، يقول إن سرعة التقاضي مطلب قانوني، وذلك بإنجاز العدالة بالسرعة المطلوبة وعدم تأخيرها، وفي المقابل تتطلب العدالة قبل كل ذلك الفصل في الدعاوى وفق صحيح القانون وبمراعاة جميع الضمانات القانونية.

وأوضح أن سرعة التقاضي لا ينبغي أن تكون لها أولوية على جودة الأحكام واتفاقها مع القانون وأحكامه، وإلغاء الطعن بالتمييز وإن كان يحقق سرعة في التقاضي بإلغاء درجة من درجات التقاضي كما الشأن بالنسبة الأحكام الصادرة من دائرة اسواق المال، فإن له مخاطر جسيمة على الشركات عبر إلحاق الضرر بها، وضياع حقوق مساهميها بل وإفلاسها في حال صدور حكم معيب بات بالاستئناف مخالفاً للمبادئ القانونية، وغير متاح الطعن عليه بالتمييز، «ولذا لا أؤيد إلغاء الطعن بالتمييز باعتباره ضمانة قانونية لضبط الأحكام المعيبة والتصدي للعوار والبطلان اللذين قد يعتريانها».

وزاد: «هنا أبدي امتعاضي الشديد من مد ميعاد الطعن بالتمييز إلى 60 يوماً والتوجه الحكومي بمد ميعاد الطعن بالاستئناف إلى 40 يوماً، بما ينطوي من أضرار ببيئة الأعمال التجارية»، لافتا إلى أن الإجراءات طويلة ومعقدة، وهي بيئة طاردة للاستثمار والتجارة وتدفع المستثمرين غالبا لاختيار طريق التحكيم لفض المنازعات التجارية... والأسباب عديدة ومنها بطء الفصل في الأحكام، وتحديد مواعيد متأخرة للجلسات وتأجيلها لمواعيد متأخرة كذلك، والأمر ذاته بالنسبة إلى جلسات الخبرة.

وتابع: «ولا ننسى كذلك مشاكل الإعلان القضائي وغيرها كذلك، لكن نشير هنا إلى أن الحل لا يكمن في الانتقاص من الضمانات القانونية شأن ما فعل المشرع، وللأسف الشديد بمد ميعاد التمييز إلى 60 يوماً بدلاً من 30 يوماً».

بدوره، يقول أستاذ قانون المرافعات بكلية الحقوق في جامعة الكويت، د. مساعد العنزي، إن أغلب النظم التشريعية تتجه الى إعادة تنظيم الجهاز القضائي لديها، بحيث تتجه الى تخصيص القضاة، وتكليفهم للعمل في محاكم معيّنة، والعمل في مسائل محددة بذاتها، لافتا الى أن المشرع الكويتي اتجه بهذا المسلك من خلال تشكيل محاكم للأسرة، التي أصبحت في المحافظات، ومحكمة أسواق المال.

وحسنا فعل المشرع بإنشائه محكمة خاصة بأسواق خاصة، وأفضل أن تسمى محكمة اقتصادية وليست محكمة أسواق المال فقط، حتى تكون مختصة بنظر كل ما يتعلق بالاقتصاد، فضلا عن إنشاء نيابة متخصصة تسمى النيابة الاقتصادية، حتى تتماشى مع وضع المحكمة الاقتصادية، لأن منظومة المحكمة تتطلب أن تتماشى معها الأجهزة الأخرى.

ويضيف العنزي قائلا: نحن بحاجة الى محاكم اقتصادية، وليس فقط محاكم أسواق مال، خصوصا أن من يرفع الدعوى الجزائية هي النيابة العامة، وأن التسمية بالمحاكم الاقتصادية أشمل وأوسع، ضمانا لخصوصية هذا النوع من القضايا.

ضمانة كبيرة

أما فيما يتعلق بإلغاء الطعن بالتمييز، فإن محكمة التمييز ضمانة كبيرة، ووجودها مهم، ولا أؤيد إلغاء طريق الطعن بالتمييز، لكن أؤيد بسرعة الفصل بالمنازعة وسرعة تحديد الجلسات، خصوصا بعد تخصص المحاكم والنيابة، لافتا الى أن الأمر يتطلب ترتيب حل تلك المنازعات.

وقد تقلل فترات النظر بالطعن بالتمييز، في حين أن التقاضي في كل المنازعات من بينها التجارية يستغرق وقتا طويلا جدا، وذلك بسبب الممارسات العملية مع الأسف من قبل معاوني القضاء، ومن إدارات الإعلان والكتاب، وهي التي تؤدي الى طول إجراءات التقاضي وتعقيدها، لكن بحسب النصوص المتاحة بالقانون إذا تم تفعيلها بالشكل الصحيح ستكون المسألة سهلة جدا وسلسة، ولا تحتاج إلى أن نغيّر، وغالبا ما يكون بالإجراءات ظاهرة التعقيد، لكن هي ضمانة للأفراد وحماية لمبادئ أساسية يجب حمايتها في الأمر.

ويقول أستاذ القانون التجاري في كلية الحقوق بجامعة الكويت، د. محمد ابراهيم الوسمي إن وجود محاكم تجارية متخصصة أصبح مطلبا مهما، نتيجة التطور الاقتصادي في العالم بشكل عام وفي الكويت على وجه الخصوص، حيث إن الأعمال التجارية في هذه الأيام أصبحت متطورة الى درجة التعقيد، والتي لا يمكن لغير الشخص المتخصص فهمها وتفكيك رموزها، ولذلك فإن وجود مثل تلك المحاكم المتخصصة سيساعد ويساهم في تطور الاقتصاد وازدهار التنمية في البلد.

ويضيف: يمكن توضيح دور المحاكم التجارية المتخصصة في تنشيط التنمية الاقتصادية في الكويت من خلال الاعتراف بدور هذه المحاكم في بث الطمأنينة والثقة فيما بين جمهور الممارسين للأعمال التجارية، سواء كانوا محليين أو أجانب، وذلك عندما يكون هناك قضاة متخصصون في مثل هذا المجال، ملمون بتفاصيل الأعمال التجارية بشكل متعمق، لكن ذلك لا يمنع استعانة القضاة حتى في المحاكم التجارية المتخصصة من أصحاب الاختصاص كالمحاسبين.

لذلك، من المهم لكي ينجز القاضي عملية الفصل في أي دعوى تجارية يجب أن يكون ملمّا بالمسائل التجارية بجانب المسائل القانونية، حيث يتسنى له إسباغ التكييف القانوني الصحيح والمناسب على الواقعة التي ينظرها، نأخذ بالاعتبار أن بيئة الأعمال التجارية بيئة ابتكارات واختراعات، حيث يمكن وجود معاملات تجارية لم ينظمها أي قانون في الدولة، فيأتي هنا دور القاضي لتكييف تلك الواقعة وإسباغ التكييف القانوني السليم عليها، وفي هذه الحالة القاضي المتخصص هو أفضل العناصر التي من الممكن أن تكيف مثل تلك الوقائع وردها للأحكام القانونية الصحيحة.

ويقول الوسمي إن وجود مثل هذه المحاكم المتخصصة يتطلب تحديد اختصاص وكلاء النائب العام منذ البداية، لكي في تركيز مستمر على الأعمال التجارية والسعي لتطويرهم من خلال حثهم على الدخول في دورات تخصصية تساعدهم في إنجاز الأعمال الموكلة لهم منذ البداية، حيث إنه مما لا شك فيه أن القاضي عندما يكون متخصصا سيصب جل وقته واهتمامه ودراسته وتطوير نفسه في حقل معيّن، مما يساعد على صدور أحكام متميزة.

انعكاسات إيجابية

ويبيّن الوسمي ان وجود محاكم تجارية متخصصة سيساعد على تشجيع تدفق الأموال الأجنبية، وذلك ما تسعى إليه دولة الكويت عن طريق هيئة تشجيع الاستثمار المباشر، فهذه المحاكم المتخصصة ستساعد على جذب هؤلاء المستثمرين عندما يثقون بأنهم في حال وجود نزاع سيكون هناك قضاة متخصصون يفصلون في نزاعهم بناء على الخبرة المطلوبة مما يضمن حقوقهم.

نضيف كذلك في السياق نفسه أهمية وجود محاكم تجارية متخصصة سيساعد على تسريع وتيرة الفصل في النزاعات، حيث إن القضاة لن يرهقوا بتشتيت جهودهم بعدة أنواع من القضايا، كذلك سيكون القاضي في هذه المحاكم مطلعا على المستجدات التجارية الحديثة، إضافة إلى إلمامه بالقوانين ذات العلاقة، مما سيشكل انعكاسات إيجابية على التنمية والاستثمار في دولة الكويت.

أما ما يتعلق بمقترح تقليص درجات التقاضي، وذلك لتسريع وتيرة فض النزاعات التجارية، فلا أميل لمثل هذا الرأي، حيث إن المتقاضين يرتكزون على تعدد درجات التقاضي كعامل حماية لهم، فلا يجب حرمانهم منه، أضف إلى ذلك أن وجود محاكم متخصصة سيسرّع من عملية فض المنازعات، كذلك بدلا من حرمان المتقاضين من درجة من درجات التقاضي، يفضل اقتراح وسائل بديلة لفضها عن طريق استحداث عوامل وإجراءات يجب القيام بها قبل رفع الدعوى، لكي تصل الدعوى إلى المحكمة جاهزة (كمثال، ممكن أن تُعرض المطالبة المالية على خبير محاسبي قبل رفع الدعوى، ويكون هذا الخبير معتمدا من جهات رسمية، ومن ثم يعرض رأيه على المحكمة).

تشكيل المحاكم

يقول المحامي أحمد عبدالله المطوع إنه من الضروري إنشاء محاكم اقتصادية لسرعة الفصل في المنازعات الاقتصادية لاعتبارات عدة ومبررات قد تتوافق مع الهدف من إنشائها، أولها إنشاء جهة مُتخصصة في مجال الاقتصاد والتجارة وأسواق المال والإلمام بالأعراف التجارية والواقع العملي لعمليات الأوراق المالية ووحدات الصناديق وكيفية استردادها ومعناها والمحافظ والتفرقة بين تلك المصطلحات وآلية عملياتها وترسيخ فكرة القضاء المتخصص لتنشئة محترفين من رجال القضاء مع تعميق الملكة القانونية الفردية وزيادة الخبرة في التطبيقات القضائية للقوانين الاقتصادية والصلح الواقي من الإفلاس والتجارة وأسواق المال واللوائح التشريعية وقرارات وتعليمات البنك المركزي، ومفوضي هيئة أسواق المال بجميع أنواعها.

ويضيف المطوع قائلا إن من المسائل المهمة لسرعة الفصل، حيث يكشف الواقع العملي في الدوائر التجارية بمحكمة الدرجة الأولى أو محكمة الاستئناف والتي تخص مثلاً دعاوى الإفلاس بأن يُطال أمد التقاضي فيها سنوات، لأسباب ترجع للمحكمة وربما لانشغالها بملفات كثيرة مطروحة عليها من المتقاضين، وبالتالي لا تتحقق موجبات سرعة الفصل.

ويبيّن أن المشرع وضع أهمية بالغة في قضايا أسواق المال حيث يتم تشكيل محكمة أسواق المال بالدرجة الأولى من ثلاثة قُضاة على أن يكون أحدهم بدرجة مُستشار على الأقل لحساسية الدعاوى وأهميتها، وحتى تكون أسباب الأحكام حصيفة، وقُل مثل ذلك في مسائل الإعلان حيث تم وضع قواعد خاصة في مسائل الإعلان بالطرق المختلفة عن قواعد المنصوص عليها في قانون المرافعات، كالفاكس أو البريد الإلكتروني، فضلاً عن اجراءات المحاكمة كالحكم باعتبار الدعوى كأن لم تكن، عملاً بالمادة 111 من قانون 7/2010 وتعديلاته، حيث تنص على أنه يجب الحكم -بناء على طلب المدعى عليه- باعتبار الدعوى كأن لم تكن إذا لم يتم تكليف المدعى عليه بالحضور خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديم الصحيفة إدارة الكتاب، وكان ذلك راجعا إلى فعل المدعي، وهذا الأمر مختلف عن القواعد العامة في قانون المرافعات التي يكون الأمر خلال 90 يوماً وجوازياً، بيد أن قانون سوق المال جعل النص وجوبيا على المحكمة، وذلك لسرعة الفصل في دعاوى أسواق المال التي تتعلق بالمراكز التجارية الحساسة.

مطالبات بإزالة العوائق الإدارية والإبقاء على درجة التمييز كضمانة

نحتاج لقضاة متخصصين في قضايا أسواق المال والاستثمار والبنوك والتأمين فايز الكندري

إنشاء محاكم اقتصادية ونيابة متخصصة على غرار محاكم الأسرة مساعد العنزي

وجودها سيساهم في تطور الاقتصاد وازدهار التنمية في البلد محمد الوسمي

نحتاجها لسرعة التقاضي وفض المنازعات وأن تحظى بالتخصص أحمد المطوع
back to top