د. الشطي يمتدح الغرب والديمقراطية و«الإخوان» يمجدون عبودية الرق! (2-2)

نشر في 21-11-2019
آخر تحديث 21-11-2019 | 00:10
 خليل علي حيدر تعتبر جماعة الإخوان نفسها حركة مجددة للإسلام، ولكن موقفها كذلك مؤيد أحيانا وبقوة لقضية الرق، وهو أمر بالغ الغرابة، فمفكر الإخوان المسلمين البارز "محمد قطب" (1919-2014) الذي لم يكن يقل تشدداً عن شقيقه "سيد قطب" (1906-1965) يتجاهل كل تاريخ الرق في العالم الإسلامي إلى أن تم إلغاؤه في الإمبراطورية البريطانية عام 1934، وفي الكويت عام 1938 والمملكة العربية السعودية سنة 1962، إذ يقول محمد قطب في كتابه "شبهات حول الإسلام"، (طبعة الكويت 1985)، "إن قصة الرق في الإسلام صفحة مشرقة في تاريخ البشرية"، ولكنه يستدرك فيقول "إن الإسلام لم يوافق على الرق من حيث المبدأ"، وإن بعض الضرورات السياسية والاقتصادية حتمت وجوده، غير أنه لا يناقش جوازه وشرعيته، كما لا يتوقف عند مسألة أشد خطورة، وهو احتمال أن يجيز الدين شيئا في مرحلة لضرورات معينة تختفي في عصور لاحقة! فهل يجوز مثل هذا الفهم؟ ثم إن رأي محمد قطب القائل بعدم موافقة الإسلام على الرق يعارضه على أية حال د.أحمد الكردي الذي يقول إن أئمة المذاهب الأربعة المعتمدة "ينصّون على إباحة الرق ويعتبرونه شرعا ثابتا محكما لا يقبل النسخ".

(الوعي الإسلامي، عدد 107، نوفمبر 1973).

بل اعتبر د. الكردي الرق بمثابة "دورة إصلاحية" و"مدرسة تربوية لأناس جانحين، يكفل إعادتهم إلى طريق الحق والرشاد"، ولا يناقش د.الكردي مجموعة النصوص التي تتوعد "العبد الآبق" ولا الموقف الفقهي المهادن لتجارة الرق مثلا وأسواق النخاسة وغير ذلك في العالم الإسلامي عندما انحرفت تجارة العبيد عن "حدودها الشرعية".

ومن كُتّاب الإخوان البارزين المؤيدين للرق وامتلاك الأمَات المعروف بكتبه التوجيهية وكتيباته التنظيمية في كل مكتبات الإخوان وفي كل مكان، الشيخ السوري "عبدالله ناصح علوان" (1928-1987) صاحب الكتاب المعروف "نظام الرق في الإسلام"، ويرى الشيخ علوان في الرق حلاً لمشاكل أوسع في المجتمع المعاصر، وبخاصة مشكلة الزواج وغلاء المهور، فيعتبر الرق "تطهيراً للمجتمع من فوضى الجنس والإباحية وتيارات الميوعة، فمن لم يستطع الزواج من حرة مثلا لغلاء المهر تزوج من أَمَة أو ملكها ليشبع غريزته من حلال، ويعصم نفسه بملك اليمين، وأحيانا يكون استرقاق المرأة في الحرب علاجا ناجعا لحصانتها وكفالتها واحترام إنسانيتها، ومن المعلوم أن استرقاق المرأة في ظل النظام الإسلامي يجعلها ملكا لصاحبها فقط، لا يدخل عليها غيره".

ومن فوائد الاسترقاق الأخرى التي يشير إليها الشيخ علوان أن كثيرا من مرافق العمل يحتاج المجتمع فيها إلى نساء غير متسترات، والإماء هن هذا الصنف، إذ لم يفرض الإسلام على الأَمَة أن تتستر تستراً كاملا، كما تتستر الحرة، بل يكفي في نظر الشريعة أن تتستر ما بين صدرها إلى تحت ركبتها".

(نظام الرق في الإسلام، بيروت: دار السلام، 1980، ص72-73).

ونلاحظ هنا، ربما بعكس ما يتمنى د.الشطي، أن هؤلاء ليسوا من فقهاء الماضي الجامدين والمتحجرين، بل هم من المجددين والحركيين ومن الجماعة الأم، ومن المستبعد أن يكون للجماعات السلفية أو حزب التحرير أو غيرهم آراء أكثر تحررية في هذا المجال، وما يتعلق بمسألة الرق، بل تشيد موسوعة الويكيبيديا مثلا بمحمد قطب الذي لجأ إلى السعودية، وتقول إنه قام بتأسيس مدرسة إسلامية ذات طابع حركي داخل الجامعات السعودية، والكل يعرف الدمار الذي أنزله محمد قطب بمناهج التعليم في عموم المنطقة!

ويعيدنا هذا إلى ما يضع د.الشطي من فوارق بين "الدعاة" و"العلماء"، فالواقع أن مؤسسي جماعة الإخوان الكبار ابتداء من الشيخ حسن البنا كانوا من "الدعاة"، ثم إلى أي كتب حديث أو تفسير أو أصول فقهية يرجع "العلماء"، في حين تعج المكتبة الإسلامية قديما وحديثا بكتب عن اختلاف الفقهاء؟ أما اختلاف المفسرين كالذي نراه في تفسير الطبري وغيره والجدل حول الأحاديث فكثيرة جداً، كما هو معروف. صحيح أن بين القانونيين الليبراليين والعلمانيين وغيرهم اختلافات كثيرة وآراء في الفقه القانوني الأنجلوساكسوني واللاتيني والروماني وغير ذلك، ولكن هذه الاختلافات تبقى في دائرة دنيوية علمانية من حرية النقاش والفكر والنقد والتباين ولا تنجم عنها دعاوى التفكير والتفسيق.

ولا وجود لمثل هذا التسامح في الاختلاف الفقهي والديني عبر تاريخنا، إذ كانت تُحرق كتب بعض كبار العلماء، ويُكفَّر آخرون أو تتم محاصرتهم، بل إن انتشار بعض المذاهب السنية والشيعية ارتبط بحكومات وأسر حاكمة ودول معينة منذ العهد العباسي وما قبله.

إن مشكلة إنهاء التعصب والتكفير في العالم العربي والإسلامي لا تتعلق بتعدي الدعاة على العلماء فقط، بل هي بحاجة ماسة الى إعادة النظر في كليات الشريعة وأقسام تدريس الفقه، وإفساح المجال واسعا لتدريس علم الأديان والنقاش الفكري الحر ضمن الضوابط العلمية التي نراها في المعاهد المسيحية وغيرها، وبالسماح لفقهاء مختلف المذاهب الإسلامية، وكذلك الأديان الأخرى بالمشاركة في الحوار. وقد أشرتُ ذات مرة إلى أن الجامعات الأوروبية والأميركية تفسح المجال منذ عقود وربما قرون للأساتذة المسلمين لتدريس الإسلام السنّي والشيعي في جامعاتها حتى الدينية منها، فكم من كليات الشريعة في بلداننا تسمح للقساوسة بتدريس المسيحية مثلا؟ وأصبحت أحزاب الإسلام السياسي كذلك قوة تدخل لا يستهان بنفوذها وسلطانها وبخاصة في مجال تقليص حرية التعبير، إلا بما يرضيها، ومن المؤسف أننا لا نكاد نلاحظ في مجال تجديد الحياة العصرية فوارق بارزة بين الدعاة والعلماء في أحيان كثيرة.

فلا "الدعاة" يدركون دائما حقائق القرن الجديد، ولا "العلماء"، وإذا كانت العلمانية من مستلزمات نجاح الدولة الإسلامية كما يرى د.الشطي فالعلمانية لا تعمل في فراغ.

فنحن نرى الى جانب مخاوف الدولة أو بطشها وضغوط قوانين الرقابة في مجتمعات العالم العربي الإسلامي ثمة تشهير للأحزاب الإسلامية بالباحثين ومحاولات التجديد، بل إشعال معارك كبرى في هذا المجال، والتي تثير أحيانا استغراب الجماعة الإسلامية نفسها.

ننتقل الآن إلى رأي جريء آخر جاهر به د.إسماعيل الشطي في تلك المقابلة، يقول د.الشطي: "إن هناك فرقا جوهريا بين الديمقراطية والشورى يجب أن يبرز". وبعكس كل ما قرأنا في الكتب الإسلامية عن نظام الشورى والنظام الإسلامي الكامل يفاجئ د.الشطي القارئ برأي يعلنه بشجاعة، فيقول عن أهم مراحل تطبيق نظام الحكم في تاريخ الشورى "إن التجارب الشورية التي شهدتها حقبة الخلاقة الراشدة غير متجانسة، مما يؤكد أنها أحد اجتهادات الأُمة".

فكأننا نعود إلى رأي المفكر المصري المعروف "د.علي عبدالرازق" في الخلافة والحكم أو نقترب منه!! ويضيف د.الشطي "أما الديمقراطية فهي اجتهاد غربي لتحقيق هذا المبدأ- أي مبدأ الشورى- وفق آلية أو نظام عرف بالنظام الديمقراطي، وهي آلية تقسيم السلطات إلى ثلاث، وتمنح كل واحدة منها استقلالية تامة".

ويدافع د.الشطي عن النظام الديمقراطي الذي تطور في الغرب باعتباره "الصيغة الغربية للشورى"، وأن الشورى، كما يرى، أصل الديمقراطية، ويقول: "وفي النظام الديمقراطي يوضع دستور أو نظام عام للدولة، ويصبح مرجعا سياسيا للأمة، هذه هي الصيغة السياسية التي توصل إليها الغربيون لتحقيق مبدأ الشورى، ورغم أن الديمقراطية لها عيوبها وثغراتها لكنها حتى هذه اللحظة تعتبر أفضل الصيغ البشرية لتحقيق مبدأ الشورى، والذين يعيبون عليها ليس لأن لديهم أفضل منها إنما لأنها اجتهاد غربي، والذين يعارضون الديمقراطية دون بديل لتطبيق الشورى إنما ينحازون للأنظمة التسلطية". وهذا بلا شك رأي صريح شجاع.

وسألته مجلة المعرفة: "بعض المسلمين يرفضون التعاون مع الغرب حتى لو كان ذلك في مصلحتهم؟"، فأجاب "هؤلاء مساكين لم يعلموا أن الحكمة ضالة المؤمن أني وجدها فهو أولى الناس بها"، ويدعو د.الشطي إلى الاستفادة حتى من التراث اليهودي، فيضيف إن مصادر المعرفة في الإسلام "الكتاب والحكمة"، والحكمة هي المعرفة البشرية المتراكمة من البداية الأولى للإنسان، وطرح د.الشطي رأياً لا يقل جرأة عما سبق، فقال في مجال تشجيع الإسلام على تحصيل الحكمة إلى جانب التمسك بالكتاب: "ولهذا ترك الحديث الشريف الباب مفتوحا على التراث الإسرائيلي (لا تصدقوهم ولا تكذبوهم) باعتبارها لا تخلو من الحكمة، والحكمة ليست محصورة في بلد ما أو شعب ما".

وقال د.الشطي: إذا كان الغرب اليوم هو أحد منتجي ومصدري المعرفة، فلا فكاك من التعاون معه والاستفادة منه، بل يجب أن يكون لدينا ثقة بإسلامنا بحيث لا نخاف عليه من المنتج الثقافي الغربي". وهذا انفتاح فكري من د.الشطي يستحق التقدير.

وأضاف مشيداً بالغربيين: "إن الغربيين كشعوب لهم احترام وتقدير عند المسلمين، ألم يقل الحديث الشريف الذي رواه مسلم (تقوم الساعة والروم أكثر)، وفي الحديث النبوي نفسه في "صحيح مسلم" عن الغربيين أو الروم "إن فيهم لخصالا أربعا: إنهم لأحلم الناس عند فتنة، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة، وأوشكهم كَرَّةً بعد فرّة، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف، وخامسة حسنة جميلة، وأمنعهم من ظلم الملوك".

وقال د. الشطي في نهاية إجابته عن نقطة العلاقة مع شعوب الغرب وبضرورة الاتصال بها والتفاهم معها والاستفادة منها: "إذا كانت هذه الشعوب تتصف بهذه الصفات التي تحدث عنها، صلى الله عليه وسلم، أليس الجدير بنا أن نستفيد منها؟ إن الذين يديرون ظهرهم أمام الغرب ويرفضون الاستفادة من منتجه المعرفي والثقافي يترفعون عن وصية النبي، صلى الله عليه وسلم، ويتعالون عليها بباطل".

(المعرفة، 2003). لقد نشر هذا الكلام عن الغرب قبل نحو عشرين عاما، وهي الأعوام التي عملت فيها جماعات التطرف والجهاد كل ما استطاعت من أجل تدمير سمعة العرب والمسلمين في الغرب! إنها للأسف لم تقرأ بعمق هذه الإشادة بالغرب!

back to top