أزمة تلد أخرى؟

نشر في 20-11-2019
آخر تحديث 20-11-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار ستنتهي الأزمة الطاحنة، التي مرت بها البلاد، من حيث الشكل، إلا أن ذلك لا يعني نهاية الأزمات، فمن خلال الرصد العلمي لتاريخ الأزمات عبر ما يزيد على مئة عام، نجدها قد صارت من أهم أدوات الفعل السياسي، لينطبق عليها مصطلح "الإدارة بالأزمات"، وباستثناء أزمات قليلة، فإن غالبيتها تحتدم في مستوى الأسرة الحاكمة. ففي الأزمات تتضح أنماطها، وموازين القوى، وحركة الفاعلين الأساسيين، وما هو حقيقي وما هو مفتعل، ومساراتها، وكيفية حلها وتأثيرها على نمط اتخاذ القرار. يتضح من تلك المتابعة الحثيثة أنه كلما تم تهميش وإضعاف المجتمع عن المشاركة زادت الخلافات داخل الأسرة. وبالتالي الحاجة إلى مجتمع فاعل قادر على المشاركة والإسهام الفعلي لا الشكلي بإدارة المجتمع، هي حاجة أساسية للحكم الرشيد، وكلما تم تعزيز دور المؤسسات والتقليل من الانفراد بالقرار فنحن أمام نظام أكثر استقراراً.

عند اشتداد أزمة الحكم في سنة ٢٠٠٦، على سبيل المثال، بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، وانقسام الأسرة، لم يكن هناك حل منطقي وسلمي وبأقل التكاليف إلا الاحتكام للدستور وقانون توارث الإمارة، وهكذا كان، فكان الدستور، على نواقصه، ضابطاً لحركة المجتمع، وبالذات عند الأزمات الطاحنة، وقد كانت تلك إحداها.

بالطبع الفساد المدمر ليس سبباً بل نتيجة لضعف الإدارة العامة في ضبط الحركة، والتهاون مع فاسديها، وتحويلها لمكافآت وعطايا وشرهات وما شابه، وتحويل الفساد لأداة في إدارة الدولة. وإلا كيف نفسر وجود هذا الكم الهائل من الأجهزة الرقابية، ومع ذلك يتسلل بوضوح هذا الكم من الفساد؟

الخلاصة هي أن بنية النظام القائم، وطبيعة اتخاذ القرار وبنيته، معرضة للأزمات بسبب ضعفها، أو مفتعلة للأزمات لإخفاء أزمتها الداخلية.

عبر السنوات الماضية حدثت تغييرات مهمة، وهي تأتي في نمط التغيير التدريجي، لا الجذري، أغلبها كان من المفترض أن يصب في مسيرة ترشيد القرار، ولكن تأثيرها على بنية اتخاذ القرار كان ضعيفاً، إن لم يكن معدوماً. فلو راجعنا مطالب الإصلاحيين منذ سنوات لوجدنا الكثير منها قد تحقق، وإن اختلفت المسببات، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تحققت المشاركة السياسية للمرأة، وتعدلت الدوائر الانتخابية من ٢٥ إلى ٥، ثم ارتدت للصوت الواحد بكل أسف، وتم فصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء، وتعديل قانون المحكمة الدستورية ليسمح للأفراد بالتقاضي، وأنشئت هيئة مكافحة الفساد، أمثلة للعديد من المتغيرات التي لم يؤد فعلها على الأرض إلى تغيير طبيعة اتخاذ القرار، وهو ما يجب التركيز عليه في المرحلة القادمة.

التغيير يبدأ بالمكافحة الجدية للفساد كبرنامج حكومة، ثم توسيع قاعدة المشاركة السياسية واتخاذ القرار، وإعادة نظر جذرية في النظام البيروقراطي المعطل لأي إصلاح، فإن لم نبدأ بذلك، ولا يبدو أننا سنبدأ، فإننا أمام أزمة قادمة.

back to top