«متنيلة بستين نيلة!»

نشر في 19-11-2019
آخر تحديث 19-11-2019 | 00:10
السبب الوحيد لـ«الستين نيلة» هو محاولة ترقيع الواقع الفاسد بدلاً من اجتثاثه، ونتيجة «الغلغصة» أن شبكة الفساد باتت عنكبوتية ومتمددة في الطول والعرض، لدرجة أن سحب أي حجر من هذا الكيان الفاسد سيهوي بالبناء كله، وهذا ما
لا يقبل به المتورطون في الفساد من فوق إلى تحت.
 د. حسن عبدالله جوهر المثل المصري "متنيلة بستين نيلة" يحمل دلالات عميقة قد لا تشعر بحقيقتها إلا عندما تعيش أحداثها وتداعياتها ونتائجها بشكل واقعي، ولعل "الستين نيلة" أصدق وأقرب تعبير عن حالتنا السياسية اليوم، فبدلاً من الخروج من المأزق الخطير الذي يهدد وجودنا كبلد بأقل الخسائر وعبر الطريق المختصر، ووفق رؤية تدرك حجم المشكلة، وتسعى إلى الاستفادة التاريخية من تجربتها المريرة، "تغلغصنا" أكثر في المشكلة عوضاً عن الخروج منها.

السبب الوحيد لـ"الستين نيلة" هو محاولة ترقيع الواقع الفاسد بدلاً من اجتثاثه، ونتيجة "الغلغصة" أن شبكة الفساد باتت عنكبوتية ومتمددة في الطول والعرض، لدرجة أن سحب أي حجر من هذا الكيان الفاسد سيهوي بالبناء ككل، وهذا ما لا يقبل به المتورطون في الفساد من فوق إلى تحت، رغم أن الفضيحة باتت معلومة ومكشوفة للكبير والصغير.

اتهامات الفساد هذه المرة لم يثرها مسلّم البراك أو أحمد السعدون لخصومات ومآرب شخصية "كالعادة"، ولم تتبنّها المعارضة المغرضة المدعومة من الخارج لهدف إثارة البلبلة وتهديد الأمن السياسي، ولم تروّج لها التيارات السياسية بقسميها الديني والليبرالي لمكاسب حزبية والتقرب من السلطة، ولكنها جاءت من بيت الحكم نفسه، ووفق بلاغ رسمي موجه إلى جهات الاختصاص القانونية، ومن وزيرة في السلطة التنفيذية فجرت بعض تفاصيلها على منصة مجلس الأمة وأمام رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة والشعب الكويتي.

عوضاً عن البناء على هذه المعلومات والانطلاق منها بهدف تبيان الحقيقة ومحاسبة المقصرين، وسد ثغور الفساد، استقالت الحكومة ليس بسبب الصراع الداخلي بين أقطابها، وإن كانت هذه حقيقة مأساوية أخرى، ولكن حتى "تتغلغص" القصة و"تتنيل بستين نيلة"، وعندها تتبعثر الأوراق، ويتشتت التركيز على أصل موضوع الفساد تماماً مثلما حصل مع فضيحة الإيداعات المليونية عام 2011، ففي تلك القضية لم يتم ذر الرماد في العيون فحسب بل اقتلعت العيون بعد تغيير المشهد برمته من خلال إلهاء الشعب بالصوت الواحد، و"تنيلت" القضية بـ"ستين نيلة"، وتم غلق الملف في النيابة، وانشغل الناس بضرب بعضهم بعضاً، ثم جاءت السلطة لتضرب الجميع الواحد تلو الآخر؛ حفاظاً على مجلس الأمة الصوري الذي تحوّل إلى خط الدفاع الأول عن الفساد.

السيناريو نفسه يتكرر الآن، فبعدما تحرك الناس في فضح مجلس الأمة بدأت الاستجوابات تنجح، ولما نجحت الاستجوابات استقالت الحكومة حتى تحصّن المجلس من الحل، حيث إن مرسوم الحل يجب أن يرفع لسمو الأمير من رئيس الوزراء على رأس حكومة قائمة مؤدية القسم أمام الأمير والمجلس.

back to top