مرافعة : محكومون بالبراءة!

نشر في 19-11-2019
آخر تحديث 19-11-2019 | 00:30
 حسين العبدالله من القوانين المهمة التي أنجزتها اللجنة التشريعية البرلمانية، ولم يتسنّ لمجلس الأمة بعدُ إصدارها، رغم أنها حظيت بموافقة اللجنة والنيابة العامة، هو تعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، بما يسمح بتقديم التماس إعادة النظر على الأحكام الجزائية النهائية، والذي يتسبب يومياً في ظلم العديد من المحكومين بالقضايا الجزائية الذين تثبت الأدلة مستقبلاً براءتهم من الاتهامات المنسوبة إليهم.

ولا يعقل أن تصدر المحاكم الحزائية أحكاما بالسجن أو الإعدام على متهم وفق أدلة قدمت بحقه الى جهات التحقيق، واطمأنت المحاكم بدرجاتها المتعددة على تلك الأدلة، وأصدرت أحكاما نهائية تجاه المدانين فيها، ثم ثبت لاحقا عدم سلامة أيّ من تلك الأدلة التي عوّلت عليها المحكمة في الأدلة، أو شابها غش أو تزوير ولا يمكن العمل بأي شيء تجاه هذا المحكوم البريء الذي راح ضحية أدلة أو براهين ثبت عدم سلامتها أو غشها أو تزويرها لاحقا.

والسبب في بقاء هؤلاء المحكومين في السجن، أو ربما الحكم بإعدامهم، يعود الى أن منظومتنا القانونية تفتقد النصوص القانونية التي تسمح بإمكان عرضهم مجددا للمحاكمة أمام القضاء، وهو الأمر الذي يرتب بقاء هؤلاء المحكومين في السجن أو حتى تنفيذ الأحكام بإعدامهم إن كانوا محكومين به، وذلك لأنه لا حل يمكن تقديمه من جهات التحقيق، أو المنفذة للأحكام، أو حتى المحاكم الجزائية بسبب إزاء عجز القوانين من تنظيم تلك القواعد!

الدستور نص في المادة 34 منه على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تؤمّن له فيها الضمانات الضرورية لممارسة حق الدفاع، إلا أن تشريعاتنا خلت، مع الأسف، من كفالة حق الدفاع للمتهم إذا ما ثبت لاحقا ثبوت الأدلة عليها، وهو ما يجعل من غياب تلك النصوص المنظمة انتهاكا لحقّ الدفاع الذي كفله الدستور لغياب الضمانات الكاملة المسوقة له، ومنها حق المحكوم الذي يظل متهما بهذه الحالة من عرض أدلة براءته التي ظهرت لاحقا على أدلة الإدانة التي قدمت غشّا وزورا بحقه.

ورغم نص قانون المرافعات المدنية المنظم لإجراءات التقاضي في المنازعات غير الجزائية لإمكان الطعن عن طريق الالتماس لإعادة النظر على الأحكام المدنية بأنواعها المتعددة، حفاظا على حقوق المتقاضين وأموالهم، فإنه، مع الأسف، لم ينظم بعد طريق الالتماس لإعادة النظر في الأحكام الجزائية، رغم أنه مستحق بكثير من المسائل المدنية، مع أهميتها لمنظومة التقاضي بشكل عام.

أتمنى أن يسارع البرلمان الى إصدار التعديل الذي أقرته اللجنة التشريعية بتقرير الالتماس لإعادة النظر في المسائل الجزائية، لاسيما أنه سيطبّق على المحكومين في القضايا الجزائية، بعد نشر القانون في الجريدة الرسمية، وليس ممن حكموا قبل صدوره، رغم أنني أتمنى أن يشمل كل المحكومين السابقين، حتى لو تطلّب ذلك إصدار القانون بأغلبية خاصة، وذلك لأهمية التشريع ذاته على العدالة ككل، والتي لا يمكن أن تمتد الى محكومين وتتوقف عن آخرين، مادامت غاية التشريع بأن لا يدان بريء.

back to top