خاص

البليك: الجوائز الأدبية تحفّز المبدع وتختصر الطريق

أعماله الروائية وُلدت في «مطبخ الصحافة»

نشر في 17-11-2019
آخر تحديث 17-11-2019 | 00:00
بجناحي الصحافة والأدب، يحلّق الأديب السوداني عماد البليك، في عالم الإبداع الروائي، ويمتلك موهبة «الحكي» مع مهارة جذب القارئ بالكتابة عن موضوعات متنوعة وشائقة، بعضها يغوص في الواقع، وأخرى تستلهم التاريخ وتلجأ للخيال.
صدر له أكثر من 12 رواية، إضافة إلى مقالاته النقدية في العديد من الصحف والمجلات العربية، وفاز أخيراً بجائزة معرض الخرطوم الدولي للكتاب للإبداع الأدبي عن روايته «الملائكة في فرص».
وفي حواره لـ «الجريدة»، من القاهرة، تحدّث عن علاقة الصحافة والأدب، ومستقبل المجلات الثقافية في العالم العربي، كما يتحدث عن كتاباته ومسيرته، ويقول «الكتابة مغامرة لا تنتهي، وإذا وصل الكاتب إلى مرحلة الرضا، فهذا يعني الذبول والموت، ويعني فشل العملية الإبداعية»، وفيما يلي نص الحوار:
• ما هي محددات الكتابة بالنسبة لك؟

- أكتب وفق جنوني، ولديّ دوافع كثيرة، فقد بدأت من خلال شيء غير مفهوم لي، غرس في ذاتي أو روحي، مع الزمن صار عندي حاجة إلى الكتابة مرتبطة بالدافع الجنوني، لأن أكون موجودا في هذا العالم، لا أظن أنني أستطيع أن أعيش بلا كتابة أو بلا كتاب، وأكتب بشكل مباشر الآن لكي أرى العالم وفق تصورات جديدة، مغايرة، ظنون غير المتشكلة، أن أعالج الحياة بواقع بديل ومحتمل، وأن أحقق معادلة الخروج من ترّهات الواقع الحقيقي وجنونه إلى الخيال الذي يحررنا نوعاً ما، دون فكاك نهائي من الأزمات قطعاً، ومرات أكتب لكي أجرب بمغامرة باتجاه الاكتشاف، سواء على مستوى المتخيل التاريخي أو المعارك السياسية والاجتماعية أو الشخوص البشرية التي تستهويني مدارستها لأجل هذا السبر والمعرفة.

الصحافة والأدب

• البعض يرى العمل الصحفي عائقا أمام المبدع، وآخرون يرونه إضافة وزادا معرفيا وثقافيا، ماذا أضافت الصحافة إلى إبداعك، وماذا أخذت منك؟

- الصحافة تقترب من تجربة الأدب، فهي تقرأ ما وراء الظواهر والوقائع، تماما كما تحاول أن تفعل الفنون، بالنسبة لي فقد أمدتني الصحافة بذخيرة من المعرفة بالواقع والأحداث، وجعلتني أقترب من معرفة العالم بشكل أفضل، وهذا استفدت منه في كتاباتي، فبعض أعمالي الروائية ولدت من صميم "مطبخ الصحافة" كما "دنيا عدي" و"قارسيلا"، و"ماما ميركل"، ففيها الروح الصحافية وفنون التقارير المدمجة، وفي رواية "ماما ميركل" ربما كان الخبر هو البطل، فالقصة تنسج عبر توالي الوقائع في مسار زمني يشبه تواترها الخبري في وسائل الميديا والإعلام الجديد، أما الصحافة على الجانب الآخر فهي تأخذ من وقت الكاتب الكثير ذلك الزمن المخصص للكتابة الإبداعية، وهذا يستنقص بعضاً من طاقته والتحفز الكامن لكتابة النصوص الكبيرة.

طبيعة العصر

• كيف ترى مستقبل الصحافة في ظل التطورات التكنولوجية؟

- الصحافة لا تموت، لكنّها تلبس حلّة جديدة، عبر الطابع الرقمي لها والوسائل الجديدة، أي أن الدلالة قائمة، ما يختلف هو الوسيط فقط، وأيضا يمكن الإشارة إلى أن تقنيات العمل الصحفي ستتغير بعض الشيء، من خلال الاستفادة من طبيعة العصر وسرعته، ولا يعني مماثلة الإبداع البشري في الفرز والاختيار والتحرير، حيث يظل الإنسان هو صانع الإبداع الأساس.

المجلات الثقافية

• هل تعتقد أن عمر المجلات الثقافية مازال طويلا، أم أن التغيرات التي يشهدها الإعلام قد تطيحها؟

- لم تعد المجلة بشكلها التقليدي قائمة، ورأينا الكثير منها يتوقف عربياً، لقد تغيّرت أنماط المعرفة والتلقي، والحاجة إلى التثقيف الكلاسيكي مع عصر المعلومات والمعرفة المنفتحة بفعل الوسائط الجديدة والإنترنت.

لكن مع ذلك يمكن الحديث عن المجلة في إطارها الإلكتروني أو حتى الورقي في حيّز معيّن مع التجديد الكبير والمطلوب في بنى المخاطبة والتنوير بإثارة القضايا بطريقة مختلفة عن السائد والمطروح، أيضا المجلات المعتبرة تمثّل مرجعيات للكتّاب والباحثين، وهنا يمكن الحديث عن إصدارات متخصصة في القصة أو الرواية أو النقد أو الفنون، بعيداً عن مفهوم المجلة الشاملة التي تقدم لنا كل شيء، كما كان في عقد الستينيات وإلى نهاية القرن العشرين.

معرض الخرطوم

• حصدت جائزة معرض الخرطوم الدولي للكتاب للإبداع الأدبي عن روايتك "الملائكة في فرص"، ماذا تمثل لك الجائزة؟

- جائزة معرض الخرطوم للكتاب والجوائز بشكل عام أراها دائمة محفزة للمبدع من حيث إنها تضع أعماله ومنتجه أمام دائرة أوسع من الجمهور الذي لم يكن يعرفه من قبل، فهي بالتالي تختصر الطريق للكاتب، ولهذا فأنا سعيد بهذه الجائزة، لكونها جاءت في دورتها الأولى وبعد نجاح الثورة السودانية، فهي أول جائزة أدبية تمنح في العهد الجديد، ونحن نستشرف مستقبل الوطن لآفاق أسمى.

الواقع السوداني

• ماذا عن أحدث أعمالك "المشمش الهندي"؟

- في الواقع، فقد نشر العمل بالكويت في نوفمبر 2018، عبر "دار بلاتينيوم بوك" وهي أول رواية تصدر لي في الكويت، وسعيد بذلك، والرواية تستوحي تجربة ما بين الواقع والفانتازيا لشاب سوداني يسافر للخارج مغترباً بعد سن الأربعين، بعد أن يفشل في بناء حياته ببلده، لكنه يفاجأ بأن العالم قد سبقه، فمواهبه وأفكاره لم تعد تواكب عالماً متسارعاً ومن ثم يرتكب خطيئة تقوده إلى السجن، فالسفر إلى الهند بطريقة غامضة، ليدخل تجربة روحية غريبة تنتهي بموته، وهي عمل يقدم صورة لغياب الحقيقة في عالمنا، ما هو الواقع؟ وأين نقف نحن في إطار الأشياء والعوالم والتخييل؟ أحياناً لا نفهم أي شيء من حولنا، وهل ما حصل حقيقة أم خيال!

انتشار الأدب

• ما تقييمك للساحة الأدبية السودانية، خاصة في ظل تطور الأحداث السياسية الأخيرة؟

- الساحة الأدبية السودانية ثرية وفيها خصب كبير وغنى، لكن ثمة ظروفاً منعت من النشر وانتشار الأدب السوداني منها عوامل اقتصادية وسياسية بالطبع، والآن ربما آن الوقت لعودة الروح إلى الإبداع الأدبي السوداني لكي يحلّق مجددا، فلدينا جيل يكتب الروايات والنصوص بكافة أنواعها، وهنا تنوّع في التجارب والتجريب، ولاسيما أن السودان بلد كبير ومتعدد الثقافات والأفكار، وأتوقع أيضا أن يتم إنتاج فترة الثورة في نصوص ترى النور، خاصة مع الأجيال الشابة التي عايشت هذه الأحداث.

مشاريع فكرية

• ماذا عن مشروعاتك الأدبية القادمة؟

- لديّ مشاريع فكرية وأخرى أدبية، والأولى هي أيضا ذات مسار أدبي حتى لو أن لها طابعا فلسفيا، كنت قد قدّمتها في حلقات عبر "فيسبوك" و"يوتيوب" في شكل محاضرات أسميتها "المعرفة المتشظية" في تأمل الواقع السوداني والعالمي، وكيف يمكن لنا إنتاج فكر جديد يواكب حل مشاكلنا المعاصرة، وسأنقل هذه الحلقات في كتب، كما أن لديّ مشاريع روائية تتعلق بالواقع السوداني ومساءلة التاريخ خلال القرن الماضي والثلاثين سنة الأخيرة.

«الملائكة في فرص» و«المشمش الهندي»

تتناول "الملائكة في فرص"، ملامح من تاريخ المسيحية في السودان وكنيسة فرص التي غرقت في المياه، بعد إنشاء السد العالي مطلع الستينيات من القرن العشرين.

وفَرصْ وتكتب مرات فرس، هي عاصمة مملكة نوباتيا أو نوباطيا النوبية في شمال السودان وجنوب مصر، التي قامت في المنطقة ما بين الشلال الأول بأسوان حتى آخر الشلال الثاني، أو المعروف ببطن الحجر، وهي المملكة التي يعرفها بعض الكتّاب العرب باسم «المريس».

وعماد البليك كاتب صحافي وروائي ولد في مدينة بربر بالسودان في 30 نوفمبر عام 1972، ويعمل صحافيا بسلطنة عمان، وله مجموعة من الروايات قبل «المشمش الهندي» والملائكة في فرص منها: «الأنهار العكرة»، و«دنيا عدي»، و«دماء في الخرطوم»، و«القط المقدس»، وشاورما، وماما ميركل، وغيرها، كما أصدر كتابا في النقد الأدبي بعنوان "الرواية العربية... رحلة بحث عن المعنى".

لم تعد المجلة بشكلها التقليدي قائمة ورأينا الكثير منها يتوقف عربياً

الساحة الأدبية السودانية ثرية وفيها خصب كبير وغنى
back to top