سدانيات: أغنية عراقية واستجواب الوهم!

نشر في 15-11-2019
آخر تحديث 15-11-2019 | 00:07
 محمد السداني لم أستوعب معلم اللغة العربية عندما كان يتحدث عن أثر البيئة في فنون الشعوب، ومثاله الذي رسخ في ذهني عن الفلاح الذي يكتب شعراً في الزهور والحقول وعناصر الطبيعة التي يدور حولها وتدور حوله، حتى كبرت وبدأت ألاحظ الشعوب وألاحظ فنونها وانعكاس هذه المجتمعات على هذه الفنون التي تعكس واقع شعوبها، وهذا ما جعلني أستغرب تبني الإذاعات الكويتية نشر الكثير من الفنون التي ليس لنا علاقة بها، تاركين مسؤوليتهم الأخلاقية تجاه ما ينشر من تفاهات في وسائل الإعلام؛ ليلوث أسماعنا صباح مساء! أتذكر أنَّ أغنية "يا عواذل فلفلوا" التي ألفها أبو السعود الإبياري وغناها فريد الأطرش كانت قد أخذت صدى عظيما في المجتمع المصري، وصارت بمثابة أغنية الموسم حتى استدعى النحاس باشا مغنيها– فريد الأطرش– وطلب منه الامتناع عن غنائها لما فيه خروج عن التقاليد والأعراف للمجتمع المصري آنذاك!

أضرب هذا المثال ولا أريد وصاية من أحد على أحد، لكنه مثال لما كان في مجتمعات تهتم بما يقدم ويعرض في منصاتها الإعلامية، وينقل للأجيال، فيكون عنده ثقافة ومن ثَمَّ سلوك يؤثر في أجيال أخرى.

إنَّ انتقادي لنوع من الأغاني في ندوة ثقافية لم يكن طعنا في إنتاج العراق الفني– والعياذ بالله- فهناك موروث فني ضخم لا يمكن لأي عاقل أن ينكر جماله وعظمته، ولكن الانتقاد كان على ما يعرض في هذه الأيام علينا من انحطاط فني في الإذاعات يسمى "أغنية" هذا النمط المُنتقد لا شيئا آخر! من يتابع مضمون الفنون في العراق ومصر مثلا يجد أنَّ مضمون الفنون تغير بشكل واضح، وليس بالأمر المستغرب أن نعرف أن انعكاس التأثيرات الاقتصادية والسياسية على هذه الشعوب كان جليا في فنونها وأشعارها وأفلامها. بعد الحرب الضروس التي نشبت في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب رأي عابر، جاء دور متابعتي لاستجوابات النواب في مجلس الأمة، فهي أيضا إحدى المسرحيات التي تصنف في هذه الأيام من فنون السياسة الكويتية، فوزير يخرج ووزير يدخل، ويا قلب لا تحزن، ممثلون يؤدون أدوارهم بكل ثقة وجدارة؛ ليعكسوا حالة الفوضى السياسية التي نعيشها منذ سنوات طويلة، حتى جاءت جملة من أحد الأعضاء لتقع كالصاعقة على عقلي إذ يقول: دولة الفساد أفضل من اللادولة! وفعلا لم يكن الأمر خروجا عن النص هذه المرة، لأنَّ النص مضبوط بعناية شديدة لا يمكن اختراقها، وهذا الرأي لم يكن وليد اللحظة لكنه ديدن الأنظمة الرجعية التي تضع الخيار في شقين، إما أن تسير الدولة بفسادها وخرابها أو تكون اللادولة مثلما كان يقول حاكم دولة عربية مهدداً شعبه: "عاوزين تبقوا زي سورية والعراق" وكأن الأمثلة وقفت عن عقل هذا الشخص لكي لا يرى مقارنة تصلح لبلده إلا مقارنات الدمار والضياع!

خارج النص:

- مرت سنوات في مجلس الأمة الذي لا يعكس شيئا عن الأمة، ولم أجد استجوابا واحدا لوزير التربية ليطيح به بسبب فشله في إدارة ملف التعليم وتردي المخرجات العلمية، ولكني في المقابل رأيت نائبا يريد استجواب وزير الداخلية بسبب حساب وهمي في "تويتر"!

back to top