أسباب تحول دون قيام دولة كردية

نشر في 15-11-2019
آخر تحديث 15-11-2019 | 00:00
وودرو ويلسون  -  ديفيد لويد جورج - جورج كليمنصو
وودرو ويلسون - ديفيد لويد جورج - جورج كليمنصو
في أعقاب مغادرة القوات الأميركية للمناطق الكردية في شمال شرق سورية تعرض حوالي 180 ألفاً من الأكراد للتهجير وقتل أكثر من 200 منهم.

أولئك الأكراد وهم من الجنود الذين كانوا يحاربون تنظيم داعش كانوا يأملون في ضمان قيام دولة كردستان المستقبل في مناطق تستهدفها اليوم الطائرات التركية وتقوم روسيا بتسيير دوريات فيها.

وتعتبر هذه التطورات النكسة الأخيرة بالنسبة الى الأكراد الذين يبلغ عددهم 40 مليوناً وقد توزعوا على أربع دول، وعلى الرغم من محاولات كثيرة قاموا بها فإنهم لم يتمكنوا من اقامة دولة كردية.

النكسة الأشد قسوة والحاسمة كانت بعد نهاية الحرب العالمية الأولى عندما شرع الحلفاء الذين انتصروا على ألمانيا النازية والامبراطورية العثمانية في توزيع الغنائم الجغرافية للحرب والتي جاءت على حساب الأكراد الى حد كبير.

وفي سلسلة من المؤتمرات والاجتماعات التي شهدتها القصور الأوروبية لهذه الغاية عمل رؤساء وزارات بريطانيا ديفيد لويد وفرنسا جورج كليمنصو والرئيس الأميركي وودرو ولسون والعشرات غيرهم من القادة على وضع خطة للتآمر والتسابق من أجل تنفيذ خطة التوزيع المشار اليها خلال الفترة من 1919 الى 1921. وخلصت تلك المؤتمرات الى اعادة رسم مناطق ضخمة من خريطة العالم.

واضافة الى رفع حصص كبيرة من الغنائم لأنفسهم – مثل الموجودات الألمانية – كانت غاية أولئك القادة استبدال الامبراطورية النمساوية – المجرية ومعاقبة ألمانيا في أوروبا وتحقيق الهدف الأكبر المتمثل في ملء الفراغ الذي نشأ عن نهاية الامبراطورية العثمانية التي كانت تغطي قبل الحرب منطقة تمتد من حدود بلغاريا الى اليمن.

وكان المبدأ الارشادي للقادة في العمل من أجل اعادة رسم الخريطة – في معظم الحالات على الأقل – يقوم على الفكرة المهيمنة للقومية العنصرية والتي تدعى في الوقت الراهن القومية الاثنية.

وببساطة افترضت وفود الحلفاء أن الدول يجب أن تتألف من سكان يمثلون الى أكبر قدر ممكن العرق الواحد والجوانب الاثنية واللغوية، ومن هذا المنطلق فقد حددوا – وفي البعض من الحالات أوجدوا – ما يوصف بالعرق الجديد مثل المجري أو النمساوي ووضعوا الحدود على هذا الأساس.

الأطراف المستفيدة

وكان السؤال المحير الى حد كبير هو: كيف يتعين أن تكون المنطقة الواسعة والمركزية التي خلفتها الامبراطورية العثمانية التي هزمت في الحرب والتي تمتد من البحر الأبيض المتوسط الى منطقة الخليج العربي؟ وهل يتعين وجود دولة عربية كبرى واحدة أو اتحاد فدرالي عربي بحسب الوعد الذي قطعه البعض من المسؤولين البريطانيين لحلفائهم العرب الذين ثاروا على الامبراطورية العثمانية؟ أم مجرد قيام الكثير من الدول الصغيرة تجاور في حدودها العرب المسلمين والمسيحيين والأرمن والأشوريين والأكراد؟ وقد دعمت بريطانيا ما أطلقت عليها اسم الوطن القومي للشعب اليهودي في فلسطين التي كانت خاضعة للامبراطورية العثمانية.وكان ذلك هو ما تضمنته دعوة الرئيس الأميركي وودرو ويلسون الى حق تقرير المصير، وكان ويلسون واضحاً في دعوته الى قيام كردستان جديدة.

وكان الغرب يعتبر أن الأكراد هم عرق وكردستان يجب أن تكون دولة لهم، وفي حقيقة الأمر كانت تلك هي الصورة التي رسمت في محادثات ما قبل الحرب العالمية الأولى. ولكن مشكلة رسم حدود تلك الدولة لم تصل الى حل وهو ما كان بعض المسؤولين البريطانيين يتوقعون حدوثه على أي حال.

ولم يتفق تفكير بريطانيا ازاء الجانب العرقي مع قيام دولة كردستان وأن تستقبل الكثير من «المستشارين» كما حدث مع دول جديدة اخرى طبعاً، بل ان لندن كانت تعتقد أن الأكراد لن يقبلوا بالخضوع للدول المجاورة.

وكانت الفكرة أن الأكراد المستقلين «لن يقبلوا مطلقاً وجود حاكم عربي» في حال وضعهم ضمن دولة عربية وذلك بحسب قناعة أحد مسؤولي وزارة الخارجية البريطانية.

إضاعة الفرصة

ولكن الحلفاء وعصبة الأمم فشلوا في اقامة دولة كردستان. والسؤال هو لماذا انتهت الأمور الى تلك النتيجة؟

تفوقت المصلحة الشخصية في بريطانيا الاستعمارية في هذه الحالة على التفكير القومي الاثني، وبحسب نصوص اتفاقية سايكس – بيكو كانت فرنسا تتوقع بعد انتهاء الحرب السيطرة على شمال الشرق وهي المنطقة التي تضم سورية ولبنان اليوم.

في غضون ذلك كانت بريطانيا تريد كتلة جغرافية واسعة في تلك المنطقة تماثل ما حصلت فرنسا عليه وتحقق لها ذلك في العراق.

وكانت مناطق تقسيم نفوذ فرنسا وبريطانيا تمر عبر مناطق كردية وكان ذلك جزءاً من السبب الذي حال دون قدرة بريطانيا على اقامة كردستان الكبرى تخضع لها مثل العراق. والسبب الآخر هو أن بريطانيا كانت تريد ابقاء الأكراد في العراق الجديد على شكل قوة توازن مع السكان الشيعة الذي تعتبرهم من المحرضين على الفتنة والقلاقل.

ويمثل هذا الموقف التفكير الكلاسيكي البريطاني الامبريالي الذي طبقته منذ زمن طويل في أماكن اخرى مثل الهند والقائم على مبدأ «فرق تسد»، وقد لا يتصرف الأكراد بولاء نحو بريطانيا ولكنهم لن يتحدوا مع العرب أو الآشوريين أيضاً.

من جهة اخرى، كانت بريطانيا تعتقد أيضاً بوجود حقول نفط كبيرة في العاصمة الكردية الموصل وكان الرأي أن من الأفضل ابقاء منطقة الموصل ضمن العراق لهذا السبب.

ويتماهى هذا التصرف الاستعماري مع ما أعلنه الرئيس الأميركي دونالد ترامب في الآونة الأخيرة عن السماح للأكراد بالبقاء على مقربة من حقول النفط في شمال شرق سورية لحمايتها من سيطرة تنظيم داعش.

جذور المتاعب مع تركيا

كانت آخر محاولة قام بها الحلفاء من أجل اقامة دولة كردستان صغيرة على الأقل قد جرت في آخر مؤتمر للحلفاء في ضواحي باريس في عام 1920.

وبحسب الخطة المطروحة في ذلك المؤتمر كانت اقامة دولة كردستان ضمن حدود الأناضول ولكن الأكراد اعترضوا عليها لأنها كانت صغيرة جداً وهكذا انتهت الى الفشل، وكانت العناصر الثورية الوطنية الجديدة في تركيا تريد اقتصار وجود السكان على الأتراك فقط مع رفض تقسيم الأناضول من أجل الأكراد أو الأرمن الذين كان عليهم التحول الى أترك أو مواجهة العواقب.

ومنذ عام 1920 احتل الجيش التركي ما كان سوف يصبح كردستان الصغيرة ولم تكن لدى الحلفاء الرغبة في تحدي هذه الخطوة، وكانت آخر آمال الحلفاء الذين انتصروا في الحرب العالمية الأولى لاقامة دولة كردستان قد تبددت نتيجة لذلك.

ولكن الأكراد لم يتوقفوا عن المقاومة، وعندما دفعتهم بريطانيا الى العيش في العراق انطلقوا في ثورة في عام 1919، وعندما وصل وفد من الحكومة البريطانية لاجراء محادثات مع الزعيم الكردي الشيخ محمود بارزاني طرح هذا الأخير 14 نقطة كان دعا اليها الرئيس الأميركي وودرو ويلسون وتدعو الى «تطوير الحكم الذاتي» للسكان الذين كانوا يخضعون في السابق للإمبراطورية العثمانية. واليوم، كما كان الحال يومئذ، يبدو أن القوى العالمية تؤيد تقرير المصير للأكراد ولكن شريطة ألا يتم ذلك على حساب المصلحة الشخصية.

*جون برويتش

back to top