ذكرى صدور الدستور 11/11/1962

نشر في 14-11-2019
آخر تحديث 14-11-2019 | 00:18
 محمد المقاطع تمر علينا هذه الأيام مناسبة مهمة، ألا وهي ذكرى صدور الدستور الكويتي، الذي اكتسبت به الكويت وثيقة ميلادها القانوني والسياسي، وهو الذي قدّم البلد كدولة عصرية للمجتمع الدولي بدلاً من المشيخة العشائرية، متذكرين جميعاً حكاماً ومحكومين حقيقتين، كل واحدة منهما أهم من الأخرى، أولاهما الاستقلال الذي كُتِب به ميلاد الكويت الدولة العصرية الراسخة بثوابتها الوطنية، ممثلة بأسرة حكم جاءت برضائية أصيلة فتجذر الحب والولاء، تتممها شورى مؤسسية (مجلس منتخب للأمة) تولى من خلالها الشعب المشاركة في إدارة شؤون الدولة وتوجيهها، ومن حسن طالعنا كشعب أنه تم تجسيد تلك الثوابت بوثيقة دستورية توافقية تعاقدية (عقد اجتماعي بل وقانوني) لتعبر عن نضج الكويتيين حكاماً ومحكومين، ولعل ما تجسده المادتان الرابعة والسادسة من الدستور هو روعة التعاقد الاجتماعي، لأنه تكريس صريح لتلك الثوابت وصيانتها.

والحقيقة الثانية هي أن المرجعية الدستورية الممثلة بهذه الوثيقة كانت دائماً طوق النجاة للبلد حينما تشتد الأحوال وتأتي الأزمات، فكانت السند لتخليص الكويت من أطماع عبدالكريم قاسم، ثم كانت سنداً للتحرر من براثن احتلال عراقي صدامي حاقد كان يتم تغذيته منذ ميلاد الكويت باستقلالها عام 1962، ومثّل محنة عبرها الوطن بفضل الله عز وجل، ثم بالتماسك الفريد الذي أظهره أهل الكويت حكاماً ومحكومين، إذ سطروا ملحمة فريدة في الذود عن شرعيتهم، فتم تجاوز خلافات تعطيل الدستور، والتقى الكويتيون على صعيد واحد في مؤتمر جدة لتعاد للأذهان صورة مثالية من الرضائية بين الأسرة والشعب قاسمها ولاء ولحمة وطنية، وتأكيد متجدد على المرجعية الدستورية في استعادة الوطن والحفاظ على ثوابته والانطلاق لإعادة بنائه، ثم تأتي أزمة انتقال الحكم والسلطة وظروفها الدقيقة ليُظهِر الكويتيون مرة أخرى أنهم، حكاماً ومحكومين، يلوذون جميعاً بالتسليم لمرجعيتهم الدستورية لتكون هي الفيصل، وفعلاً كان ذلك سنداً في سلاسة انتقال الحكم باتباع أحكام الدستور وإجراءاته ليكون طوقاً للنجاة في تجاوز هذه الأزمة.

إن إدراكنا لسر قوتنا بمرجعيتنا الدستورية ينبغي أن يكون حاضراً في كل الأوقات، وكلما تجددت الحوارات الوطنية للبحث عن مخارج للإشكاليات فينبغي ألا تنسينا خلافاتنا هذه الوثيقة التعاقديّة، وها نحن نشهد كيف أنها حُكِّمت في موضوع إسقاط عضوية بعض النواب، كما أنها سند في البحث عن العفو سواء كان عاماً أو خاصاً، لأنها سر قوتنا وسمة تميزنا عن بقية الأمم والدول والشعوب.

وتكمن حيوية إدراكنا لذلك في أن يذكر بعضنا بعضاً بما يعنيه ذلك لنا جميعاً، خصوصاً أن شواهده التاريخية والوطنية حاضرة بيننا، ولقد بات التذكير بكل ذلك أكثر إلحاحاً ووجوباً هذه الأيام، فقد تغلغلت في بلدنا مظاهر وممارسات يهدف البعض، من خلالها، إلى اقتلاعنا من تلك الجذور الراسخة والثوابت المتأصلة، لتهميش مرجعيتنا الدستورية أو إفراغها من مضامينها، لأن هناك أطرافاً متضررة من توازنها وأحكامها، وتدرك عدم قدرتها على العيش في كنفها، وهذا البعض يعتبر البلد فرصة تجارية وضربة حظ سياسية فحاد عن الطريق وتنكر للثوابت، فصارت منطلقاته في العمل الوطني- بكل أسف- حساب مصالحه التي تتنكب عن مسارات المصلحة الوطنية، فنسي التوازن الدستوري المقصود، فسارع إلى تقديم الرأي الأناني والخاطئ، وشغلته خصوماته وتطلعاته ومصالحه عن الوطن، وزاد من حظوة هذا البعض وَهَنُ تكوين مجلس الأمة، وضعف الحكومة، ليكون ذلك مظهراً إضافياً في تراجع مسيرة الوطن، وقد تمت الاستفادة من الصراع السياسي ليعزز ذلك البعض مواقعه وتأثيره على مستويات عديدة.

لكن ثقتنا كبيرة بالله وبقيادتنا السياسية التي أثبتت في كل الأحداث والوقائع حكمتها وحنكتها في تكريس الثوابت الوطنية والدستورية، وتجنيب البلد عوادي الأيام.

إن مناسبة صدور الدستور تستحق أن تكون مناسبة لإعادة البهجة لأهل الكويت، ولعل طَي صفحات وأحداث الماضي القريب بات ضرورة لإحداث نقلة وطنية تعيد أولئك البعض لإدراك حقيقة الثوابت الدستورية التي حفظت البلد وحققت تميزه الفريد، ولعل المصالحة الوطنية، وتعزيز أجواء الحريات، وبتر بؤر الفساد، وفضح استخدام المال السياسي، وتعديل قانون الدوائر الانتخابية، والتعجيل بانتخابات جديدة لمجلس أمة يتواكب ومتطلبات المرحلة، كل ذلك أصبح استحقاقاً وطنياً ملحاً في ذكرى صدور الدستور.

back to top