ما أشبه اليوم بالبارحة!

نشر في 08-11-2019
آخر تحديث 08-11-2019 | 00:10
 د. حسن عبدالله جوهر بداية لا بد من الإشارة إلى أن هذه المقالة قد أعدت قبل بدء الاعتصام المرتقب في ساحة الإرادة يوم الأربعاء السادس من نوفمبر تحت شعار "بس مصخت"، بسبب مواعيد النشر في "الجريدة"، ولذلك فإن الكلمات الواردة لا تتعلق بتفاصيل التجمع أو الحضور المتوقع فيه أو نتائجه، ولكن ما استوقفني في هذه المناسبة القاسم المشترك بين اليوم والبارحة وأيضاً مع الكثير من الفوارق الموضوعية.

ما يهمني في أي حراك شعبي ضاقت به السبل واستبيحت حقوقه هو محور الفساد الذي يعتبر مفتاح كل المآسي والدمار والإحباط والإحساس بالفشل الشامل في كل مناحي الحياة في بلد يزخر بالخير والثروة والإرث التاريخي في كل ما هو جميل وسبّاق في المنطقة. بين اليوم والبارحة "الفساد" يبقى هو "الفساد"، ولكن زادت رقعته وإن تغيرت بعض رموزه وتبدّلت أدواته، واستجدت أمثلة ممارسته، وتنوعت الأبواق الرخيصة لتلميعه أو الدفاع عنه بثمن بخس، و"الضحية" هي "الضحية" تبقى متمثلة بعوام الناس المسالمين والطيبين والمغلوب على أمرهم، وهم يرون مستقبلهم وآمال أبنائهم في مهب الريح، وثرواتهم تنهب بلا حياء أو خجل ولا رادع من ضمير أو شرع أو قانون، وإذا ما قرروا التصريح بآلامهم والتعبير عن غضبهم فإن عصا القانون تلاحقهم بدلاً من ملاحقة الحرامية والفاسدين، وتهم التخريب تلفق بهم ويعتبرون سبباً في تعكير الأمن والاستقرار.

إن التصدي للفساد اليوم هو التصدي نفسه للفساد البارحة، وإن تغيّرت الشخصيات الرئيسة في هذا الفساد، وظهرت أسماء جديدة للفاسدين الذين تسلقوا على ظهر المواطنين من بوابة مجلس الأمة والحكومة معاً، وإن لبسوا البشوت ورفعوا شعارات وطنية مزيفة، وإن تجلببوا بعباءة الدين للتجارة بالشريعة، فمنبع الفساد واحد لا يتغير، أسسه الشيطان الرجيم مع خلق آدم أبي البشر، والغضب الشعبي اليوم موجه لأدوات الفساد وصبيته، وإن لم يكونوا في مشهد البارحة أو ممن تسلقوا حتى على مشهد البارحة.

وما أشبه اليوم بالبارحة في تلفيق التهم والمحاولات اليائسة في تشويه حرية الناس وإرادتهم وكرامتهم، فإعلام الفساد وزمرته أشعلا فتنة التحريض الفئوي والطائفي لتمييع أصل الفساد المتمثل بالقبيضة والإيداعات المليونية، وروجا لمؤامرات قلب النظام، والإعلام الفاسد نفسه يحاول يائساً حصر حراك اليوم بقضايا مثل القروض والبدون لتهميش أصل الغضب الشعبي المنصبّ على نهب ثروات البلد، واستباحة الوظائف القيادية، والفشل في إدارة الدولة وخدماتها، وتحويل مجلس الأمة إلى بوق حكومي بالكامل، وهذه هي الحقيقة وإن كانت مأساة القروض وفضيحة إنهاء موضوع البدون المزعوم مجرد نتاج جزئي وطبيعي لجبل فساد اليوم.

أما التشابه الوحيد الذي لم يتغير البارحة واليوم فهم وعاظ السلاطين الذين لا عمل لهم سوى الإفتاء الرخيص في تحريم التعبير عن الرأي، أما عن فضح كل مخالفات الشرع المقدس من سرقة وظلم ونفاق ورشوة وفساد في الأرض، وهي أمهات المحرمات والفجور، فقد خرست ألسنتهم عن النطق بها ولو بهمسة، قبحكم الله!

back to top