هل ينهار «داعش» بعد موت البغدادي؟

نشر في 31-10-2019
آخر تحديث 31-10-2019 | 00:00
 ناشيونال إنترست قبل مقتل أبو بكر البغدادي الذي "ركض نحو نفق مسدود وكان يئن ويصرخ ويبكي طوال الوقت"، كما قال الرئيس دونالد ترامب بكل فصاحة، اعتُبر زعيم "داعش" أول رجل مطلوب في العالم، مقابل جائزة بقيمة 25 مليون دولار كان البغدادي مطلوباً في بلدان كثيرة، ولكل منها أسبابها الخاصة لقتله، أبرزها الولايات المتحدة، وروسيا، وإيران، والعراق، وسورية، وبريطانيا، وفرنسا، وتركيا. توزعت الجرائم التي كان مسؤولاً عنها على مختلف القارات، بدءاً من هجوم باريس (ستمرّ عليه أربع سنوات في شهر نوفمبر) وصولاً إلى استعباد اليزيديين في العراق.

لم يعد ذلك الرجل موجوداً في هذا العالم، فقد فاجأه فريق من عناصر قوات "دلتا فورس" الأميركية، وهبطوا من مروحيات وداهموا مسكنه في إدلب في منتصف الليل. يفتخر ترامب بأنه أعطى الإذن بتنفيذ هذه العملية بنفسه، وقد تباهى بتلك المهمة بعد مرور ساعات عليها. أعلن ترامب من البيت الأبيض في صباح يوم الأحد الماضي: "السفاح الذي بذل قصارى جهده لترهيب الآخرين أمضى لحظاته الأخيرة في حالة من الخوف والهلع التام والفزع، وكان مرعوباً من القوات الأميركية التي تلاحقه"، ثم راح يشكر باقتضاب كل من ساهم في تنفيذ تلك المهمة، يُقال إن العملاء الأميركيين اتكلوا جزئياً على معلومات استخبارية من العراقيين الذين اعتقلوا عدداً من أفراد عائلة الزعيم الإرهابي وشركائه قبل أشهر.

توحي قوات العمليات الخاصة الأميركية بسهولة هذا النوع من المداهمات، لكن كان البغدادي شخصاً مراوِغاً وعاش لسنوات طويلة في الظل، تزامناً مع مقتل آلاف المقاتلين من رجاله في ساحة المعركة. سرعان ما تقلصت مساحة دولة الخلافة التي أعلنها واقتصرت في النهاية على كومة نفايات وبؤس بشري في بلدة باغوز السورية. كانت مراقبة البغدادي والقضاء عليه مسألة وقت، وليس مفاجئاً أن نعرف أن الزعيم الإرهابي كان يخطط لموته بنفسه قبل عطلة نهاية الأسبوع الماضية بكثير، وهكذا هي طبيعة هذا العالم: إذا كنتَ في أعلى التسلسل الهرمي، ستُقتَل عاجلاً أو آجلاً في ضربة جوية أو مداهمة برية، يكفي أن ننظر إلى عدد من قُتِلوا من ممثلين ومسؤولين ثانويين في "القاعدة" خلال العقد الماضي. مع ذلك، يبقى البغدادي صيداً ثميناً، ولا شك أن التأكيد على موته شكّل مصدر راحة للمسؤولين الاستخباريين الأميركيين المكلّفين بالنيل منه.

نُشِرت أنباء عن مقتله في مناسبات متكررة خلال السنوات الأخيرة، وفي أكتوبر 2015، ادعى مسؤولون عراقيون أن البغدادي تعرّض لإصابة بالغة بعد استهداف موكبه بالقرب من الحدود العراقية السورية، وفي يونيو 2017، نشرت موسكو شائعة مفادها أنه أصيب خلال ضربة جوية ضد قادة "داعش" في الرقة، وبعد مرور شهر، كشف المرصد السوري لحقوق الانسان أن الزعيم الإرهابي قُتِل في دير الزور، وفي فبراير 2018، أعلن مسؤولون أميركيون أن ضربة جوية في الرقة، في مايو 2017، أسفرت عن إصابة البغدادي لدرجة أن ينسحب من العمليات اليومية طوال خمسة أشهر. لم يتأكد أحد يوماً من صحة تلك التقارير، لكن كانت هذه الأخبار كفيلة بزيادة التشويق المرتبط بهذه الشخصية.

اليوم، لم يعد البغدادي قادراً على إفساد حياة الناس، لكن لا مفر من التساؤل: ماذا سيحصل في المرحلة المقبلة؟ كان وضع "داعش" سيئاً، حتى قبل أن تقضي واشنطن على زعيم التنظيم، ومن المنطقي أن نفترض أن مقتل البغدادي سيوجّه لطمة موجعة لهذه الجماعة التي تصارع أصلاً لإنقاذ نفسها. كانت قيادة "داعش" تستعد للتعامل مع مقتل قائدها يوماً، وقد ردّ المقاتلون على التطورات الحاصلة عبر التحول إلى حركة تمرّد تقليدية، ووفق تقييمات البنتاغون ينشط بين 14 و18 ألف مقاتل حتى الآن في العراق وسورية، وهو عدد كان زعيم "القاعدة"، أيمن الظواهري، يحلم به. لكن لا يعني موت البغدادي انهيار تنظيم "داعش" بحد ذاته قريباً. سبق أن واجهت الولايات المتحدة وضعاً مشابهاً، عند مقتل أبو مصعب الزرقاوي في عام 2006، وأبو أيوب المصري في عام 2010، وأسامة بن لادن في عام 2011. من المستبعد أن يكون مقتل كبار القادة مرادفاً لانهيار التنظيمات الإرهابية بالكامل، لكنّ هذا الحدث يؤدي على الأرجح إلى إعادة ترتيب الصفوف حتى إيجاد البديل المناسب. قد تمرّ أيام أو أسابيع أو أشهر، لكنّ "داعش" سيعلن في نهاية المطاف عن بديل للبغدادي.

رغم كل شيء، تحتفل إدارة ترامب اليوم بإنجازها ويشاركها الاحتفال ملايين الناس الذين خسروا أحباءهم أو أُجبِروا على القتال باسم "دولة خلافة" مشوّهة.

* دانيال ديبتريس

* «ناشونال إنترست»

back to top