نادي الزمالك والقُرَّاء

نشر في 29-10-2019
آخر تحديث 29-10-2019 | 00:05
 حمود الشايجي (1)

في سهرة لطيفة يوم الخميس الماضي على المقهى، شهدت حادثة غريبة، عندما كنا نتابع أنا والدكتور أيمن بكر مباراة نادي الزمالك مع نادي جينراسيون السنغالي، والذي تأهل بها الزمالك إلى دور الـ16 لدوري أبطال إفريقيا، عقب فوزه على الفريق السنغالي بهدف دون رد.

الحادثة الغريبة هي ردة فعل بعض الجالسين معنا في المقهى، الذين كانوا يشجعون الفريق السنغالي، نكاية في الزمالك، وفي الوقت الذي كنا نخشى أي هجمة سنغالية على مرمى الزمالك، كان بعض الجالسين يهللون ويشجعون بحماسة لها.

سألت الدكتور أيمن عن سبب تشجيعهم للفريق السنغالي، فأجاب: «هي الخيبة يا حمود». فعلاً هي خيبة أن يكون الفريق الوطني والعربي يلعب ضد فريق غريب في بطولة خارجية ونشجع خصمه، فقط لأنه الفريق المنافس للفريق الذي نشجعه في الدوري المحلي، وهذا التشجيع لا يكون إلا لسبب واحد وهو النكاية، ولو كان هناك سبب آخر غير النكاية لتفهمت ردة فعل بعض المشجعين للفريق السنغالي، كأن يكون هناك بعض اللعبات الفنية، أو هناك لاعب شهير يتعاطف معه جمهوره، لكن لا شيء من هذا، وكل الأمر كان مجرَّد «نكاية».

(2)

هذه الحادثة الغريبة أخذتني في التفكير إلى منطقة أخرى أبعدتني حتى عن جو المباراة، وكأن ما يحصل حولي استفز بي تساؤلات غريبة عن حال القراءة والقراء، فمع نشوء نوادي القراءة في السنوات الأخيرة، وكثافتها، ما أسهم في إنعاش حال الكتب والكُتَّاب، ظهرت أمور غريبة، وهي حالة التجمهر على الكَاتب لا الكِتاب، وهذه الحالة الغريبة كوَّنت ثقافة تشبه ثقافة جماهير الأندية، وهي التشجيع المستميت للكاتب، حتى لو كانت كتاباته ليست بالمستوى المطلوب، وبخس حق كُتَّاب آخرين ينافسون هذا الكاتب. هذه الحالة الجماهيرية رغم فعلها المؤثر إيجابياً على الساحة الثقافية، لكنها تبقى غريبة وخطرة، وغرابتها وخطورتها تكمنان في أن فعل القراءة فعل تنويري، فعل يزيد الوعي، بالإضافة إلى ذلك هو فعل فردي لا تحكمه الجماعة كما يحصل في هذه الأيام.

لذلك إذا استمر هذا الحراك الثقافي القائم على التجمهر لمصلحة الكاتب لا لمصلحة المكتوب، على شاكلة جماهير الأندية التي تنازلت عن وعيها لمصلحة حبها لناديها، سوف ندخل في مرحلة تفريغ القراءة من فعلها الأساسي، وهو خلق حالة من الوعي الأوسع لهذا الكون الذي نعيش فيه.

كما أن هذا الحراك الذي يقوم على التجمهر يفرغ دور القارئ تجاه الكاتب، فالتصفيق المستمر للكاتب المفضل سيقوم بتشجيعه على خوض مغامرات كتابية غير ناضجة، لأنه فقط ضمن الجمهور الذي سوف يصفق له مهما فعل، حتى لو كان دون المستوى.

(3)

من حق أي قارئ أن يحب كاتبه، لكن بنفس الوقت عليه أن يعي الفرق بين حب الفريق الذي يشجعه إذا ما كان غالباً أو مغلوباً، وبين كاتبه وما يكتب، لأن هناك فرقا شاسعا بين الحُبين.

أخيراً: من وجهة نظري غير الإلزامية «اللعبة الحلوة هي الأبقى».

back to top