لبنان: الجيش يحاول فتح الطرق بالقوة... ويتراجع

• تدافُع بجل الديب والزوق ينتهي بعناق... و«بلدية أمل» تعتدي على متظاهري النبطية
• الكنيسة تحتضن «الانتفاضة الشعبية» وتتبنى مطالبها

نشر في 24-10-2019
آخر تحديث 24-10-2019 | 00:05
لافتة تدعو لرحيل الرؤساء الثلاثة في زوق مصبح أمس    (أ ف ب)
لافتة تدعو لرحيل الرؤساء الثلاثة في زوق مصبح أمس (أ ف ب)
بدأت خيارات الطبقة السياسية اللبنانية تضيق في مواجهة استمرار التظاهرات الشعبية غير المسبوقة التي ترفع شعارات بسقوف عالية، بينها تعطيل النظام، وخصوصاً بعد فشل خيار فتح الطرق بالقوة، الأمر الذي كاد أن يتسبب في مواجهة بين الجيش والمواطنين.
في اليوم السابع للاحتجاجات الشعبية في لبنان، اتخذ قرار زج الجيش في وجه المتظاهرين «لا طرقات مقطوعة. يجب فتحها مهما كلف الأمر». بهذه الأوامر نزلت وحدات من الجيش إلى الطرقات لإعادة فتحها، فتصدّى لهم المواطنون وحالوا بإصرارهم على البقاء حيث هم دون تمكين هذه القوى من تنفيذ الأوامر التي أعطيت لهم، في حين هتف المتظاهرون «الله، الأرزة، الجيش وبس»، مؤكدين أن لا مشكلة بين الأهالي وجيشهم، بل المشكلة مع السلطة السياسية التي زجّت بعناصره في مواجهة المواطنين، الذين تزايدت أعدادهم بكثافة، وبالأخص عند نقطتي تجمع جل الديب والزوق (كسروان).

وعند إصرار المواطنين على عدم إخلاء الساحات، اضطرّت عناصر الجيش للتراجع بعد حصول هرج ومرج وبعض التدافع. وسجلت لحظات مؤثرة بين الطرفين، حيث ظهرت على الكاميرات دموع بعض العناصر العسكرية تنهمر حسرة خلال المواجهات، والتقطت العدسات أيضا حالات عناق حار بين بعض المتظاهرين والعسكر.

النبطية

وفي النبطية التي تعد معقلا من أهم معاقل حركة «أمل»، وفي محاولة لفض الحراك الشعبي في المدينة، تعرّض متظاهرون للاعتداء بالعصي من قبل عناصر البلدية (محسوبين على «أمل»)، كما تم منع الصحافيين من التصوير خلال اعتصام بالنبطية، في وقت أشارت معلومات إلى اعتداء على فريق قناة «الجديد» الإعلامي المولج تغطية الحراك، علما بأن القناة أفادت بأن القرار الذي نفذه عناصر بلدية النبطية بالاعتداء على الأهالي لفضّ الاعتصام بالقوّة اتّخذ من قبل قيادتي «حزب الله» وحركة «أمل» في المنطقة.

وعلم أن الجيش الذي كان على مقربة من المكان لم يتدخل لفضّ الإشكال، إلا أنه يتواصل مع كل الفرقاء في محاولة لفضّ الإشكالات. وأفيد عن سقوط 7 جرحي نتيجة الحادث.

الجيش

ومواكبة لهذه التطورات، قرّر الجيش إصدار موقف في خطوة نادرا ما يلجأ اليها. فغرّد عبر حسابه على «تويتر»، أمس، متوجها الى المتظاهرين، قائلا: «الجيش يقف إلى جانبكم في مطالبكم الحياتية المحقة، وهو ملتزم حماية حرية التعبير والتظاهر السلمي بعيداً عن إقفال الطرق والتضييق على المواطنين، واستغلالكم للقيام بأعمال شغب».

وأضاف: «جنودنا منتشرون على الأراضي اللبنانية كافة على مدار الساعة لمواكبة تحرّككم السلمي وحمايتكم في هذه المرحلة الدقيقة وهم بين أهلهم. وتابع: «لم نألُ جهداً في الأيام الماضية بالتواصل مع كل الأفرقاء المعنيين للحؤول دون حصول احتكاك أو تصادم بين المواطنين».

ميدانياً

استمر مسلسل قطع الطرقات والتظاهر في المناطق، أمس، توافد الناس إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء في وسط بيروت للتعبير عن صرخة وجعهم على طريقتهم. وقطع المعتصمون قطع أوتوستراد كفر حزير في اتجاه شكا في الكورة، منذ ساعات الصباح الأولى، وتم نصب عدد من الخيم في المكان.

أما في إقليم الخروب، فقد تجمّع عدد من الشبان والشابات عند مفترق غروميه - طريق المجاز في شحيم، رافعين الأعلام اللبنانية، ومرددين الأناشيد الحماسية. وعمد البعض الى قطع الطريق لبعض الوقت، فتدخّل منظمو التجمع، وطلبوا عدم إقفال الطريق، لأن تحرّكهم سلمي. كذلك، تجمّع عدد من الشبان والشابات أمام «الاقليم مول» في مزبود وافترشوا الأرض، كما في بلدة جون، حيث تجمعوا في ساحة البلدة بدعوة من منظمة «الحزب الشيوعي اللبناني»، مطلقين عبر مكبرات الصوت الأناشيد الحماسية.

الراعي

وسط هذه الأجواء، كان لافتا، أمس، موقف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، الذي دعا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون «المؤتمن على الدستور، الى البدء فورا بالمشاورات مع القادة السياسيين ورؤساء الطوائف لاتخاذ القرارات الملائمة بشأن مطالب الشعب، فاستمرار شلل الحياة العامة في البلاد سيؤدي الى انهيار مالي واقتصادي، مما يرتد سلبا على الشعب».

وتوجّه الى الشعب المنتفض في لبنان وبلاد الانتشار، طالباً منه أن «يحافظ على سلميته، ويمنع أي طرف من استغلال صرخته ويحولها حركة انقلابية، ويشوه وجهها الديمقراطي». وناشد المجتمع الدولي «أن يؤدي دوره في دعم أول ديمقراطية نشأت في هذا الشرق ومساعدة لبنان في حل المشاكل».

وتوجه الراعي خلال اجتماع طارئ عقده في بكركي مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان وبمشاركة المطارنة الأرثوذكس، أمس، إلى السلطة القائمة، بأن «تعي حجم الحدث وخطورته على مصير لبنان، وبخاصة على مصير كيانه وهويته واقتصاده، فلا تتعاطى معه كحدث عابر، بل كتحوّل اجتماعي/ وطني».

ودعا السلطة إلى «اتّخاذ خطوات جدِّيَّة، جذريَّة وشجاعة لإخراج البلاد من هذه الأزمة الكبرى وإلى تغيير سلوكيَّات الحكم والحكومة والإدارة، إلى حوكمةٍ رشيدة ومتجردة»، مضيفا: «لقد حان الوقت لكي تلبي الدولة المطالب المحقة لتعود الحياة الطبيعية إلى البلاد».

وتابع: «لا بدَّ أيضًا من احترام حرِّيَّة التنقّل للمواطنين لتأمين حاجاتهم، ولا سيَّما الصحِّيَّة والتربويَّة والمعيشيَّة والاقتصاديَّة، فَيبقى الرأي العامّ محتضنًا هذه الانتفاضة»، داعيا المتظاهرين إلى «التوافق فيما بينهم على مَن يُحاور باسمهم مع المراجع المعنيَّة للوصول إلى حلول ناجعة».

وثمِّن الراعي «جهود الجيش اللبنانيّ خصوصًا، والقوى الأمنيَّة عمومًا لاحتضان هذا التحرُّك وحمايته، طالبين من الجميع التعاون مع هذه المؤسَّسات والتجاوب مع تدابيرها الأمنيَّة والحياتيَّة».

وقبيل الاجتماع، توّجه متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة للذين يطالبون بفتح الطرقات بهدف الذهاب الى العمل، متسائلا: «هل كانوا يعملون في السابق؟». وقال: «لبنان بقي من دون رئيس لسنتين ونصف السنة، بجزر الماو ماو ينتخبون رئيسا للقبيلة بشهر». وتابع: «يتعللون بعلل الخطايا، ويخيفوننا اليوم من الفراغ». وختم: «كفى استهتاراً بكرامة الناس»، مبديا تخوفه من أن «يقوم أحدهم بتقليص عزيمة الشباب اللبناني».

الحريري

إلى ذلك، عقد الرئيس الحريري، أمس، اجتماعا في «بيت الوسط» مع وفد من جمعية المصارف برئاسة رئيس الجمعية سليم صفير، تم خلاله تداول الأوضاع المالية والمصرفية والقرارات التي اتخذها مجلس الوزراء أخيرا في الورقة الإصلاحية.

كما استقبل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وعرض معه الأوضاع الاقتصادية والمالية العامة. وتابع الحريري التطورات الأمنية في البلاد، فأجرى سلسلة اتصالات بالقيادات الأمنية والعسكرية، واطلع منها على الأوضاع الأمنية في مختلف المناطق، مشددا على «ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، والحرص على فتح الطرق وتأمين انتقال المواطنين بين كل المناطق».

بري

في موازاة ذلك، أشار عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب علي بزي، في تصريح له بعد لقاء «الأربعاء النيابي»، أمس، الى أن «رئيس مجلس النواب نبيه بري أكد أن البلد لا يحتمل أن يبقى معلّقا، وأبدى خشيته من الفراغ»، لافتا الى أن «بري وقّع الموازنة وحولها للجنة المال والموازنة للبدء بمناقشتها، وأكد أن الظرف الراهن ملائم لقيام الدولة المدنية وإقرار قانون انتخابات نيابية يعتمد لبنان دائرة واحدة على اساس النسبية».

واعتبر بري أن «مطالب الحراك الشعبي كانت بكل اعتراف وضمن البنود الـ 22 التي وافق عليها اجتماع بعبدا»، وقال:» كررنا صرختنا منذ عشرات السنين لمعالجتها ونسجل للحراك الشعبي تحقيقها تحت الضغط، ولأن النصيحة كانت بجمل أصبحت بثورة».

ادعاء بالفساد على ميقاتي

ادعت النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضية غادة عون، في قرار أصدرته، على رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وابنه ماهر وشقيقه طه وبنك عودة، في جرم «الإثراء غير المشروع»، عن طريق حصولهم على قروض سكنية مدعومة، وأحالتهم أمام قاضي التحقيق الاول للتحقيق معهم.

وأكدت مصادر أنه تمت إحالة الملف مباشرة من القاضية عون الى قاضي التحقيق الأول في بيروت جورج رزق، وفقاً لقانون الإثراء غير المشروع الذي يسمح بذلك، ولا حاجة للمرور عبر المدعي العام التمييزي، الأمر الذي اثار اعتراض المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي وصف ما جرى بأنه «خطأ قانوني يجب تداركه».

وردّ ميقاتي على القرار في مؤتمر صحافي، أمس، معتبراً أنّ «ما تعرّض له هو رسالة بأنّ الكيل طفح منّا ومن مواقفنا، ومن دفاعنا عن الدستور والطائف». وأضاف: «الكل يعرف أنّني تحت سقف القضاء، وأناشد وزير العدل إنقاذ العهد والعمل على وقف تسييس القضاء».

وتوجّه إلى رئيس الجمهورية ميشال عون بالقول: «فخامة الرئيس، ساعد في عدم تسييس القضاء، وأبعدوا الجيش عن الخلافات، وأوقفوا كمّ أفواه الإعلام».

وتعود القضية إلى العامين 2010 و2013 عندما حصلت مجموعة ميقاتي على 9 قروض من بنك عودة، ومدعومة من مصرف لبنان، يصل مجموعها الى 14.139 مليون دولار بفوائد مخفضة. وأصدر بنك عودة بيانا، أمس، أكد فيه أن «البنك ينفي نفيا قاطعا تدخله في أي عمل متعلق بإثراء غير مشروع».

بري يخشى من الفراغ ويرى الوقت مناسباً لـ «الدائرة الواحدة»
back to top