لماذا تشتعل المظاهرات في العالم؟

نشر في 23-10-2019
آخر تحديث 23-10-2019 | 00:19
 أ.د. غانم النجار لماذا اشتعل العالم بالمظاهرات والاحتجاجات بشكل يفوق سوابقه؟ هذه السنة أو سابقتها، في تشيلي ولبنان والسودان وهونغ كونغ والإكوادور والعراق وهاييتي وبلفاست وتايلند وبوليفيا، والقادم أكثر؟ ولماذا اشتعال مظاهرات وحركات شعبية مناهضة لتغير المناخ، لا يقودها الشباب فحسب، بل صار يقودها الأطفال؟

قد تبدو الأسباب مختلفة، وربما هي كذلك من حيث الشكل.

في ٢٤ أكتوبر ١٦٤٨، تم توقيع معاهدة ويستفاليا الثانية، والتي أنهت حروباً طويلة في أوروبا، وأوجدت مولوداً جديداً اسمه "الدولة القومية"، بعناصرها الأربعة (الشعب والحكومة والحدود والسيادة). والتي أصبحت أمراً مسلماً به ومصدراً للشرعية والانتماء، وصار النظام الدولي يرتكز عليها. كما أنها صارت أدوات التنافس والصراع بين تلك المخلوقات.

ومع مضي الوقت صارت "الدولة" قائمة على أنها "الخير العام" لجميع من يعيش على أرضها، لا تعتدي على غيرها، وتسعى لنشر السلم العالمي، وتعزز كرامة الإنسان، وتحارب الفقر والتمييز، وإلا فإنها تصبح فاعلاً شريراً يقضي على الحرث والنسل. إلا أن ما شهده العالم، وربما خلال القرن الماضي تحديداً، كان عكس ذلك. حالة من الاستلاب، وتنفيع الذات والاعتداء على الآخر والاستئثار بالسلطة، تمخضت عن حربين عالميتين أبادتا ما يزيد على ٧٠ مليون إنسان، وحروب صغيرة هنا وهناك، مازالت تستهلك البشر وتدمر البيئة إلى درجة الفناء. فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يبيد نفسه في كثير من الأحيان دون سبب واضح أو ربما لإرضاء غرور أو هيمنة ذاتية.

نشرت دراسة منذ سنوات طرحت فيها مقاربة مختلفة حول أزمة الدولة القومية وعجزها، وهي ذات المقاربة التي عساها تطرح تفسيراً لما يحدث.

نحن أمام ظاهرة تحرك غير مسبوقة، فخلال هذه السنة وسابقتها جرت جملة من الارتدادات غير المسبوقة على مستوى كوني وليس شرق أوسطي فحسب، إلا أن حدوث الاشتعال على السطح لا يعني بالضرورة أنه سيحقق نتائجه، ولا يعني بالضرورة حدوث تغيرات جذرية.

تجمع استطلاعات الرأي عالمياً على انعدام ثقة عموم الناس بالنخب السياسية، الذي حدث لممارسات طويلة الأمد، وفساد مستشر، وتكنولوجيا اتصال مساعدة بانتشار الأفكار. الحراكات الشعبية في العالم هي مؤشر على فساد الإدارة العالمية والتفسخ الدولي واستلاب أرواح البشر وانهيار منظومة كرامة الإنسان. وهي ردود فعل على فشل أنانية المخلوق المسمى بالدولة القومية.

مع استثناءات بسيطة، فإن الدولة القومية فشلت في تحقيق السلم الاجتماعي ونشر العدالة بين الناس، كما فشل النظام الدولي في الحفاظ على بيئة نظيفة أو قيم إنسانية عامة، وتحول العالم إلى مصنع للكراهية والقتل على الهوية، وعدد لاجئين زاد على ٦٥ مليون إنسان.

ما نراه من ارتدادات هو نتاج لفشل الدولة القومية في تحقيق ما تعلنه المنظومة الدولية من "تنمية مستدامة"، فهي ليست إلا صياغات دبلوماسية، للابتعاد عن السبب الحقيقي، وهو أن الدولة القومية لا تعدو عن كونها جهازاً لتعزيز هيمنة القلة على الأغلبية. ومن هنا صار لابد من البحث في الجذور، لا في المظاهر والنتائج، والخروج بمقاربات جديدة لكي تكون الدولة القومية "خيراً عاماً" قولاً وفعلاً.

back to top