أهي نهاية الديمقراطية في سريلانكا؟

نشر في 20-10-2019
آخر تحديث 20-10-2019 | 00:00
تشكل عودة عائلة راجاباكسا المحتملة إلى السلطة في سريلانكا خبرا سارا للصين، التي تأمل تحويل البلاد إلى مخفر عسكري أمامي، لكنه خبر سيئ للجميع عمليا، ذلك أن رئاسة جوتابايا من شأنها أن تمنع تسليم العدالة المتأخرة بالفعل لضحايا نظام شقيقه، وأن تتسبب في تعميق خطوط الصدع العِرقية والدينية، وأن تساعد الصين في اكتساب التفوق الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
 بروجيكت سنديكيت ربما تكون واحدة من أقدم الديمقراطيات في آسيا عُرضة للخطر الآن، فمن المتوقع أن تجلب الانتخابات الرئاسية في سريلانكا الشهر المقبل إلى السلطة عضوا آخر من عائلة راجاباكسا، المعروفة بالاستبداد، والعنف، والفساد، ورغم نجاح الديمقراطية السريلانكية في اجتياز الاختبار الأخير- المحاولة الانقلابية الدستورية التي قام بها الرئيس المنتهية ولايته مايتريبالا سيريسينا قبل عام- فإنها قد لا تتمكن من النجاة من رئاسة جوتابايا راجاباكسا.

جوتابايا، كما هو معروف شعبيا، هو المرشح الأوفر حظا حاليا وكان يشغل سابقا منصب وزير الدفاع في سريلانكا في حكومة شقيقه الأكبر ماهيندا راجاباكسا، سلف سيريسينا. اتسمت ولاية ماهيندا التي امتدت عقدا من الزمن، والتي انتهت في عام 2015، بالمحسوبية الوقحة، حيث سيطر الإخوة راجاباكسا الأربعة على العديد من الوزارات الحكومية ونحو 80% من إجمالي الإنفاق العام. ومن خلال توسيع صلاحياته الرئاسية على نحو مستمر، خلق ماهيندا شبه دكتاتورية معروفة بانتهاكات حقوق الإنسان ومتهمة بارتكاب جرائم حرب.

علاوة على ذلك، سمحت سياسة ماهيندا الخارجية المؤيدة للصين بتوسع النفوذ الصيني السريع في سريلانكا، والنمو السريع لديون سريلانكا المستحقة للصين، وكانت الديون التي تراكمت على سريلانكا خلال رئاسة راجاباكسا الأخيرة هي التي أجبرت سيريسينا في عام 2017 على منح الصين ميناء هامبانتوتا، الأكثر استراتيجية على المحيط الهندي، إلى جانب 6070 هكتارا (15 ألف فدان) من الأراضي المحيطة به، على سبيل الإيجار لمدة 99 عاما. وقد اتخذ هذا التنازل على طريقة هونغ كونغ تصميما على غرار الاستغلال الاستعماري الذي فرضته المملكة المتحدة على الصين في القرن التاسع عشر.

لا يوجد من الأسباب ما يجعلنا نشك في أن جوتابايا سيكون حريصا على إحياء إرث أخيه المزعج، فبمجرد أن يصبح رئيسا، سيكون بوسعه اكتساب الحصانة من قضيتين تنظرهما المحكمة الفدرالية في الولايات المتحدة بشأن جرائم حرب ارتكبها، حسب الاتهام الموجه إليه، أثناء توليه منصب وزير الدفاع في سريلانكا. (مع إعادة البرلمان فرض حدود الولاية الرئاسية، مما منع ماهيندا من الترشح مرة أخرى، تنازل جوتابايا عن جنسيته الأميركية ليصبح مؤهلا لخوض الانتخابات).

في عام 2009، أشرف ماهيندا على نهاية الحرب الأهلية الوحشية التي دامت 25 عاما في سريلانكا، لكنه لم يكن عاملا لإحلال السلام، فخلال سنوات الحرب الأخيرة، اختفى الآلاف من الناس- من عمال الإغاثة والمدنيين التاميل إلى خصوم عائلة راجاباكسا السياسيين- أو أخضِعوا للتعذيب، وكان الهجوم العسكري الأخير ضد متمردي نمور التاميل، وفقا لتقارير الأمم المتحدة، "اعتداءً سافرا على نظام القانون الدولي بأكمله"، مع مقتل ما قد يصل إلى 40 ألف مدني. وفقا للقائد العسكري في زمن الحرب، ساراث فونسيكا، أصدر جوتابايا أوامره بإعدام قادة المتمردين دون محاكمة حال استسلامهم.

على الرغم من الفظائع التي ارتكبوها ضد أقلية التاميل الهندوسية في الأغلب في سريلانكا، أصبح الإخوان راجاباكسا أبطالا في نظر كثيرين من الأغلبية السنهالية البوذية في البلاد، الأمر الذي شجع ماهيندا على تكثيف الجهود لبناء هوية أحادية العِرق لبلد متعدد الأعراق.

إن تجديد هذا النهج، وهو ما سيقوم به جوتابايا بكل تأكيد، لن يخفف من الانقسام الطائفي الذي أشعل شرارة الحرب الأهلية، ناهيك عن التوترات الأحدث عهدا بين السنهاليين ومسلمي سريلانكا، ازدادت حدة هذه التوترات في أبريل، عندما نفذت ميليشيات إسلامية سلسلة من التفجيرات في أحد الفصح والتي أسفرت عن مقتل 253 شخصا وإصابة المئات.

لم تكن تلك التفجيرات واحدة من أشد الهجمات الإرهابية فتكا في التاريخ فحسب؛ بل كانت أيضا أول هجوم إسلامي كبير على الإطلاق تشهده سريلانكا، حيث يشكل المسلمون 10% من السكان.

الواقع أن سيريسينا اعترف بأن مسؤولي الدفاع والشرطة تلقوا تقريرا استخباراتيا هنديا يحذر من هجوم وشيك ويحدد هوية المتآمرين، لكنه لم يره، ولم يتلق التحذير أيضا رئيس الوزراء رانيل ويكرمسينجه، الذي كان هدفا لمحاولة سيريسينا الانقلابية في أكتوبر الماضي. (سارع سيريسينا إلى طرد ويكرمسينجه وتقليد ماهيندا راجاباكسا المنصب، قبل أن يحل البرلمان لتجب الطعن. ثم جرى نقض تصرفاته عندما قضت المحكمة العليا بعدم دستوريتها).

استغل آل راجاباكسا تفجيرات الإسلاميين لإذكاء نيران القومية السنهالية، وقد وَعَد جوتابايا أنصاره بأنه سيعمل في حال انتخابه على تعزيز قوة أجهزة الاستخبارات وإعادة فرض المراقبة على المواطنين، من أجل سحق التطرف الإسلامي. الواقع أن احتمال تمكن مجرم حرب مزعوم لا يزال مرتبطا بأساليب خارجة على نطاق القضاء من تولي منصب الرئاسة يروع بحق الأقليات، ووسائل الإعلام، والمدافعين عن الحريات المدنية.

فضلا عن ذلك، هناك المزيد من الأخبار المثيرة للقلق، فقد أكد معسكر جوتابايا أيضا على أنه يعتزم، في حال انتخابه رئيسا للبلاد، "استعادة العلاقات" مع الصين، ونظرا لموقع سريلانكا الاستراتيجي بالقرب من أكثر الممرات البحرية ازدحاما في العالم، فإن العواقب المترتبة على هذا التعهد تمتد إلى ما وراء الجزيرة. الواقع أن سريلانكا من الممكن أن تؤدي دورا محوريا في الصراع على فرض السيادة البحرية بين الصين والقوى الديمقراطية المطلة على المحيطين الهادئ والهندي (الهند، والولايات المتحدة، واليابان، وأستراليا). كانت استراتيجية "سلسلة اللؤلؤ" الصينية تطوق الهند من خلال تأمين منشآت عسكرية وتجارية استراتيجية على طول خطوط الشحن في المحيط الهندي. ويُعَد ميناء هامبانتوتا، الذي وصفه الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه مركزي في مشروع طريق الحرير البحري، لؤلؤة ذات قيمة كبرى بشكل خاص.

في وقت يتسم بتزايد الشكوك الدولية حول مبادرة الحزام والطريق التي يتبناها شي جين بينغ، تشكل عودة عائلة راجاباكسا المحتملة إلى السلطة في سريلانكا خبرا سارا للصين، التي تأمل تحويل البلاد إلى مخفر عسكري أمامي. لكنه خبر سيئ للجميع عمليا، ذلك أن رئاسة جوتابايا من شأنها أن تمنع تسليم العدالة المتأخرة بالفعل لضحايا نظام شقيقه، وأن تتسبب في تعميق خطوط الصدع العِرقية والدينية، وأن تساعد الصين في اكتساب التفوق الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي. إن الديمقراطية السريلانكية تبدو الآن أكثر عُرضة للخطر من أي وقت مضى.

* براهما تشيلاني

* أستاذ الدراسات الاستراتيجية في مركز بحوث السياسات في نيودلهي، وزميل أكاديمية روبرت بوش في برلين، ومؤلف تسعة كتب منها "الطاغوت الآسيوي"، و"المياه: ساحة المعركة الجديدة في آسيا"، و"المياه، والسلام، والحرب: مواجهة أزمة المياه العالمية".

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top