تأثير إدانة ترامب المحتملة على مفاوضات كوريا الشمالية

نشر في 18-10-2019
آخر تحديث 18-10-2019 | 00:01
دونالد ترامب و كيم جونغ أون و هنري كيسنجر و مايك بومبيو
دونالد ترامب و كيم جونغ أون و هنري كيسنجر و مايك بومبيو
كانت التهم التي توجه الى الرؤساء الأميركيين في أغلب الأحيان تزعم استخدامهم للسياسة الخارجية من أجل صرف انتباه المواطنين عن المشاكل الداخلية التي تواجههم، وربما تختار ادارة الرئيس ترامب التركيز على القضايا الدولية بغية ابعاد الانتباه عن خطر الإدانة المحتمل الذي يواجهه الرئيس في الوقت الراهن. وإذا ركزت الإدارة الأميركية على السياسة الخارجية فإن كوريا الشمالية توفر قضية دولية مغرية الى حد كبير.

وقد نكون رأينا في الأساس محاولة من جانب الرئيس ترامب لاستخدام السياسة الخارجية وسيلة لصرف الانتباه، ومع تصاعد الأزمة نتيجة التقارير التي تحدثت عن حجبه أموالاً تلقاها من أوكرانيا بهدف تحقيق مكاسب سياسية أعلن ترامب أنه قد يجتمع مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون على الرغم من فشل بيونغ يانغ في الوفاء بالتزامها حول إجراء محادثات على مستوى عمل مع الولايات المتحدة.

وعلى أي حال فإن السؤال هو كيف ستؤثر تحقيقات الادانة على قدرة الادارة الأميركية على توجيه السياسة الخارجية. وتوفر تحقيقات ادانة الرئيسين نيكسون وكلينتون نظرة جلية حول التحديات التي تواكب عملية توجيه السياسة الخارجية خلال تلك الإجراءات. وفيما تحد تحريات الإدانة بصورة حتمية من قدرة الإدارة الأميركية على حكم البلاد فإن السياسة الخارجية ستستمر في مسارها الطبيعي كما حدث في الماضي.

وعلى سبيل المثال، وبعد أن بدأ مجلس النواب اجراءات ادانة بيل كلينتون استضاف الرئيس الأميركي بنيامين نتنياهو وياسر عرفات لإجراء مفاوضات حول انسحاب القوات الإسرائيلية من الضفة الغربية، وبعد إدانته بصورة رسمية فوض كلينتون الجيش لتوجيه ضربات في العراق بسبب رفض بغداد السماح بدخول مفتشين من الأمم المتحدة للتأكد من عدم وجود أسلحة دمار شامل في ذلك البلد. وواجهت إدارة نيكسون محنة محاولة إنهاء حرب يوم الغفران والحظر النفطي المتعلق بها تحت مظلة الإدانة.

استمرار الأداء الحكومي

وفي الحالتين تمكنت واشنطن من الاستمرار في الأداء بصورة طبيعية بشكل نسبي، ولم تسفر إجراءات الإدانة عن تعطل الإدارة الأميركية عن المضي في مبادرات سياسة خارجية بارزة مثل اتفاقيات الحد من التسلح مع دول معادية. وبعد أكثر من شهر قبل أن تقرر المحكمة العليا إجبار نيكسون على الكشف عن أشرطة فضيحة ووترغيت أبرم الرئيس معاهدة حظر التجارب النووية مع الاتحاد السوفياتي.

وعلى أي حال، كان لإجراءات الإدانة بعض التأثير على السياسة الخارجية الأميركية، حيث أصبح هنري كيسنجر مثلاً أكثر تمكيناً لمتابعة تطورات السياسة الخارجية خلال تلك الفترة التي انشغل الرئيس فيها بمجريات الإدانة وتداعياتها على الصعيد المحلي، وكانت هذه الإدانة تعني أيضاً أن الانقسامات القائمة مع الكونغرس قد تفاقمت، وخلال إدارة كلينتون رفض الكونغرس طلبات لتوفير أموال الى صندوق النقد الدولي من أجل معالجة الأزمة المالية الآسيوية.

فوائد السياسة الخارجية

قد تكون السياسة الخارجية مفيدة بالنسبة الى رئيس معرض للإدانة، وفي حالة نيكسون غابت أنباء الإدانة بصورة مؤقتة بعد التوصل الى اتفاقية بين إسرائيل وسورية حول فك الاشتباك كما نال الرئيس الأميركي يومها ثناء الحزبين بسبب دوره في تحقيق تلك الاتفاقية.

وعملية الإدانة المحتملة بالنسبة الى الرئيس ترامب تختلف عن عمليات أندرو جونسون ونيكسون وكلينتون من حيث كون المشاكل الأساسية متجذرة في أسلوب توجيه الرئيس للسياسة الخارجية، وتشير الحقائق الى أن ادارة السياسة الخارجية يمكن أن تكون أكثر تعقيداً خلال إجراءات إدانة ترامب مما كانت عليه الحال مع الرؤساء السابقين.

وقد أصبحت السياسة الخارجية قضية حزبية بقدر أكبر في السنوات القليلة الماضية، ففي عهد باراك أوباما– على سبيل المثال– أرسل 47 من أعضاء مجلس الشيوخ رسالة مفتوحة الى قادة إيران يشيرون فيها الى احتمال أن يقدم الرئيس المقبل على إلغاء اتفاق إيران النووي وهو شيء لم يكن موضع تفكير خلال الحرب الباردة.

وبعد تعثر اجراء محادثات عمل مع كوريا الشمالية كان على الإدارة الأميركية المضي في خطتها الاستراتيجية في بيئة أكثر تعقيداً وربما تعتبر تصرفاتها نتيجة لتداعيات الإدانة في المقام الأول، وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قد أقر بأنه استمع الى مكالمة جرت مع الرئيس الأوكراني. وفي ضوء تلك الحقيقة قد لا يتمكن من تأدية الدور الذي قام به هنري كيسنجر في نطاق السياسة الخارجية.

في غضون ذلك، وبعد اقالة مستشار الأمن القومي جون بولتون واحتمال تورط بومبيو في تحقيقات الادانة قد تكون المعارضة الداخلية أقل حدة حول التوصل الى اتفاق مع كوريا الشمالية.

ومع توجه الرئيس ترامب الى حكومات أخرى لمساعدته في سعيه الى اجراء تحقيق حول نائب الرئيس السابق جو بايدن وعائلته يصبح عقد قمة مع الزعيم الكوري الشمالي من أجل ابرام أي اتفاق مشكلة أكبر.

ومن دون اجتماع مثمر وجوهري كما كانت الحال في قمة سنغافورة التي أسفرت عن وعود عامة فقط أو هانوي التي لم تحقق أي تقدم سيتهم ترامب بمحاولة صرف انتباه العامة ومن ثم السعي الى تحقيق مكاسب شخصية.

من جهة اخرى، تهدد احتمالات الإدانة آمال الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن حول إنجازاته التي عول عليها عبر رغبة الرئيس ترامب في إشراك كوريا الشمالية بصورة أحجم رؤساء أميركا في الماضي عن القيام بها، وإذا خرج ترامب من المعادلة فليس من الواضح مدى رغبة الزعيم الكوري الشمالي في المضي قدماً في مسار مشترك مع كوريا الجنوبية في غياب جلي من قبلها لعدم الاستمرار بالعقوبات الاقتصادية الدولية.

تداعيات الإدانة

وتغير تحقيقات الإدانة أيضاً الحوافز بالنسبة الى كوريا الشمالية، ويوجد الآن احتمال حقيقي في ألا يتمكن أي اتفاق مع الرئيس ترامب من البقاء حتى نهاية فترة رئاسته، ومن ثم خلق بيئة تفاوض جديدة ربما توفر لكوريا الشمالية شريكاً تفاوضياً يرغب في إبرام اتفاق يميل بقدر أكبر الى مصلحتها.

وتشير الحصيلة الأولية الى أن كوريا الشمالية قد تغنم من الأزمة الحالية، وإذا اتخذت موقفاً متشدداً في أعقاب المحادثات الأخيرة وربما على شكل بيان يقول إن الولايات المتحدة لم تقم في الواقع بأي تحضير لتلك المفاوضات وأنها كانت تهدف فقط الى تحقيق مصالح داخلية.

وستكون الخطوة الأخرى بالنسبة الى كوريا الشمالية إذا تمت إدانة الرئيس ترامب، وتقرر إنهاء فترة رئاسته، ويمكن التأكيد أن الوضع السياسي في الداخل الأميركي سيصبح عندئذ أكثر تعقيداً وفي الوقت نفسه قد يشعر قادة الحزب الجمهوري بأن كوريا الشمالية ربما تقرر عدم التقيد بأي اتفاقيات مع الولايات المتحدة.

وفيما تنطوي عملية الإدانة على تعقيدات ومضاعفات بالنسبة الى واشنطن وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية مع تقدم المحادثات حول برامج أسلحة بيونغ يانغ النووية يشير التاريخ الى أن الإدانة يجب ألا تعرقل احتمالات التوصل الى اتفاق في هذا الصدد. وعلى أي حال، يمكن للطبيعة المحددة لإدانة الرئيس ترامب أن تغير تلك الحسابات، ومن ثم تجعل التوصل المرجو الى اتفاق أكثر تعقيداً وصعوبة من أي وقت مضى منذ بدء حوار البلدين.

back to top