على هامش ندوة جمعية المحاسبين والمراجعين حول التقاعد المبكر (3)

نشر في 13-10-2019
آخر تحديث 13-10-2019 | 00:09
إن دور الدولة لا ينبغي أن يقف عند إنشاء الجامعات ومعاهد العلم، بل إن دورها الحقيقي يجب أن يتعدى ذلك إلى نشر الثقافة العامة بمعناها الواسع الذي يشمل السمات الروحية والفكرية والعاطفية والمادية التي تميز مجتمعاً بعينه، والذي يفتح أمام الشباب كل الآفاق في الحرية والخلق والإبداع.
 المستشار شفيق إمام تناولت في المقالين السابقين تحت هذا العنوان يومي الأحد 28/ 9/ 2019 و5/ 10/ 2019، سن التقاعد في الكويت وأنه الأسرع في العالم كله، وهو ما يتناقض مع التراث الإنساني للعمل في الكويت، والذي بناه وأسسه وحافظ عليه وغرس ثقافته الرعيل الأول، كما يتناقض كذلك مع سياسة التكويت التي تعتبر قاسماً مشتركاً في كثير من التشريعات، كما تناولت تداعيات التقاعد المبكر على التنمية الاقتصادية، وتداعياته على التنمية الاجتماعية.

وإن الخطاب السياسي قد غض بصره عن هذه السلبيات، وعن العمل كواجب، وعن حصاد هذا العمل من إنتاج وجهد، ودون إيلاء أي اهتمام للقيم الأخرى للعمل الوطنية والإنسانية، والدينية، والاجتماعية، والاقتصادية.

ونتناول في هذا المقال كيف قصر الخطاب الديني في نشر ثقافة العمل فيما يلي:

تقصير الخطاب الديني

فالخطاب الديني، غارق حتى أذنيه، في سب اليهود والنصارى على منابر المساجد، وفي وعد هذه الأمة بنصر من عند الله قريب، ولم يستحضر قيم العمل القادرة وحدها على تحقيق هذا النصر، والتي زخرت بها الآيات البينات في قوله تعالى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، وقوله سبحانه: "تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً..."، وقوله جل وعلا: "وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى* وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى* ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى". وقوله سبحانه: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ".

ويقول عز من قائل: "هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ"، والحق تبارك وتعالى يقول في محكم آياته: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".

والعمل باعتباره وحده، المعيار الوحيد للتفاضل بين البشر، ليس قصرا على أعمال البر والخيرات والصدقات، بل يشمل الأعمال والأشغال التي تأتي بها الأرزاق، وفي هذا السياق يقول الرسول- صلى الله عليه وسلم: "من أمسى كالاً من عمل يده أمسى مغفوراً له"، وقوله "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، ويقول: "خير الكسب كسب يد العامل إذا نصح".

وقد روي أن قوماً قدموا على الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن فلاناً يصوم النهار، ويقوم الليل، ويكثر الذكر، فقال لهم الرسول صلى الله وعليه وسلم: أيكم يكفيه طعامه وشرابه؟ فقالوا: كلنا فقال: كلكم خير منه.

ولئن كان البيت هو اللبنة الأولى في ثقافة أي مجتمع، والمدارس يجب أن تتعاون مع البيت في غرس هذه الثقافة، والجامعات يجب أن تكون الصرح الشامخ لها، وإن دور الدولة لا ينبغي أن يقف عند إنشاء الجامعات ومعاهد العلم، بل إن دورها الحقيقي يجب أن يتعدى ذلك إلى نشر الثقافة العامة بمعناها الواسع الذي يشمل السمات الروحية والفكرية والعاطفية والمادية التي تميز مجتمعاً بعينه، والذي يفتح أمام الشباب كل الآفاق في الحرية والخلق والإبداع، في ظل الالتزام المفروض على الدولة- بنص الدستور- أن تهتم خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي (المادة 40)، وهي مادة فرضت التزاما على السلطة التشريعية بتشريع القانون الذي يضع الخطة اللازمة للقضاء على الأمية.

إلا أن الخطاب الديني يفوق كل دور من هذه الأدوار، لأنه يخاطب العقل والقلب، وشعب الكويت شعب متدين، وقد كان المسجد هو المدرسة الأولى في صدر الإسلام ولمدة طويلة.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

الخطاب الديني يفوق كل دور وعليه أن يخاطب العقل والقلب
back to top