على هامش ندوة جمعية المحاسبين والمراجعين حول التقاعد المبكر (2)

نشر في 06-10-2019
آخر تحديث 06-10-2019 | 00:09
سيصاحب التقاعد المبكر زيادة معدلات الجريمة، لإحساس هذه الفئة التي خرجت من سوق العمل في سن مبكرة بالإحباط وعدم الأهمية لفقدان دورهم في المجتمع، وشعورهم بعدم أهميتهم داخل أسرهم وبين أبنائهم لارتباط المكانة الاجتماعية للإنسان بعمله وقدرته على الإنفاق، مما قد يدفع بعضهم، لا قدر الله، إلى التشدد أو التطرف وربما الجريمة.
 المستشار شفيق إمام في مقال الأحد الماضي وعلى هامش هذه الندوة قلت الكويت تنفرد دون سائر دول العالم، بسن للتقاعد تقل عن سائر هذه الدول، وأنه ما يتناقض مع التقاعد المبكر والتهافت عليه ودأب المشرع على تشجيعه ذلك التراث الإنساني للعمل في الكويت، والذي بناه وأسسه وحافظ عليه وغرس ثقافته الرعيل الأول، كما يتناقض كذلك مع سياسة التكويت التي تعتبر قاسماً مشتركاً في كثير من التشريعات التي أقرها مجلس الأمة في فصول تشريعية متعاقبة وعلى رأسها القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية.

ونستطرد في هذا المقال إلى تداعياته على التنمية الاقتصادية وعلى التنمية الاجتماعية فيما يلي:

تداعيات التقاعد المبكر على التنمية الاقتصادية

والبادئ أن الخطاب السياسي في موضوع التقاعد المبكر قد زاغ بصره عن تداعيات هذا التقاعد على الاقتصاد الوطني،

ذلك أنه ما من ضرورة في التنمية الاقتصادية المستدامة تبرر إهدار قوة بشرية عاملة في قمة اكتمال الخبرة من سوق العمل، وغيابها عن المشاركة في التنمية.

وإن غياب شريحة من المجتمع عن سوق العمل، وتناقص دخلها بسبب الثابت النسبي لقيمة المعاشات، والارتفاع المطرد في الأسعار مع التضخم سيؤدي إلى انخفاض القوة الشرائية بما يؤدي إلى انكماش في الاقتصاد، كما سيفتقد الاقتصاد الوطني قوامه الذي يقوم عليه إعمالا لأحكام المادة (20) من الدستور، وهو العدالة في التعاون بين النشاطين العام والخاص، التي ألزم بها الدستور القطاعين في هذه المادة، وذلك لتحقيق الأهداف التي نصت عليها وهي تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة، وتحقيق الرخاء للمواطنين.

فضلا عن أن أغلب المتقاعدين من القطاع العام (الحكومي) سيتجهون إلى العمل في القطاع الخاص، وإذا كان ذلك مطلوبا ومنشودا، وهو ما سبق أن سعى إليه القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية كما أشرنا في المقال السابق، إلا أن ذلك سيفتح الباب أمام بعض أفراد هذه الفئة، للتحايل على أحكام هذا القانون للحصول بالإضافة إلى معاش التقاعد المبكر، على دعم العمالة الوطنية، وقد يكون تعيين بعض أفراد هذه الفئة في هذا القطاع على سبيل المجاملة أو الصورية، للحصول على هذا الدعم، وهو ما أثبته تطبيق هذا القانون في الجمعيات التعاونية.

تداعياته السلبية على التنمية الاجتماعية

بازدياد مشكلة البطالة فإن أصحاب المعاشات التقاعدية سيجدون أنفسهم بعد فترة قصيرة في دوامة الحياة ومتطلباتها الكثيرة يبحثون عن عمل أو وظيفة يتكسبون منها ويشغلون بها وقتهم، وبالتالي سيزاحمون الشباب في الحصول على فرص عمل.

كما سيصاحب التقاعد المبكر زيادة معدلات الجريمة، لإحساس هذه الفئة التي خرجت من سوق العمل في سن مبكرة بالإحباط وعدم الأهمية لفقدان دورهم في المجتمع، وشعورهم بعدم أهميتهم داخل أسرهم وبين أبنائهم لارتباط المكانة الاجتماعية للإنسان بعمله وقدرته على الإنفاق، مما قد يدفع بعضهم لا قدر الله إلى التشدد أو التطرف وربما الجريمة.

الخطاب السياسي

وقد غض الخطاب السياسي بصره عن هذه السلبيات، ولم يكن لهذا التقاعد من أسباب تبرره سوى رغبة بعض المواطنين، في هذا التقاعد المبكر، فالخطاب السياسي قد أفرط في المطالبة بحقوق المواطنين وهذا أمر محمود، إلا أنه قد غاب عنه في حماس هذه المطالبة الالتفات إلى الواجبات، وإلى العمل كواجب وإلى حصاد هذا العمل من إنتاج وجهد، ودون إيلاء أي اهتمام لقيم العمل الأخرى الوطنية والإنسانية، والدينية، والاجتماعية، والاقتصادية.

فقد قرر الدستور في المادة (26) بأن الوظائف العامة خدمة وطنية ونصت المادة (41) على العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام.

وقررت المادة (16) من الدستور بأن العمل دعامة من دعامات المجتمع الثلاث، وأن العمل وإن كان حقا فرديا إلا أن له وظيفة اجتماعية.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top