كيف تقوم الثورات؟!

نشر في 01-10-2019
آخر تحديث 01-10-2019 | 00:19
 د.نجم عبدالكريم لنأخذ – بإيجاز– أحد الأمثلة على ما جرى في روسيا القيصرية قبل ظهور حزب البلاشفة بقيادة لينين وتروتسكي وستالين، وغيرهم من أقطاب الحزب الشيوعي، حيث كان يحكم بلادهم القيصر الذي كانت لديه طموحات بتطوير بلاده؛ صناعياً وزراعياً وعسكرياً، وكان يقوم بزيارات في أرجاء روسيا، ويلتقي الفلاحين والعُمال، ويسمع منهم:

- يا صاحب الجلالة: إننا نعمل أُجراء في مزارع النبلاء بلا أُجرة.

- يا صاحب الجلالة: نحن نسرق ما تناله أيدينا من أجل إطعام أطفالنا، ولو لم نفعل ذلك لمات أطفالنا جوعاً.

- يا صاحب الجلالة: كان والدكم العظيم ينوي إلغاء نظام السُّخرة، ونتمنى أن يتم ذلك على أيديكم.

وعندما كان القيصر يطوف على المصانع كانت تتكرر نفس الشكاوى من العمال، فكان يقول لهم:

- إنكم على حق في ضرورة إلغاء نظام السُّخرة في المصانع، والعبودية في القرى والمزارع، وسوف أتخذ كل الإجراءات بعد عودتي من هذه الرحلة.

ورغم أن القيصر كان متعاطفاً مع مطالب الفلاحين والعُمال، لكنه كان يخضع لآراء المستشارين عنده، والذين يعملون دائماً على تأجيل ما يتصادم مع مصالحهم.

***

• ولكن في المقابل كان الثائر باكونين يكتب المنشورات، ويُلقي الخُطب المحرِّضة، فيخاطب الفلاحين والعُمال:

"أنتم الأغلبية... أنتم المحيط الزاخر، وهم مجرَّد زوارق تائهة في مياهكم، فأغرقوهم دون رحمة، لأنهم لم يرحموكم... سلاحكم من اليوم في مواجهة قاهريكم هو الديناميت والقنابل اليدوية... اقذفوا بها حُكام الأقاليم والمدن وعُمد القرى... ألقوا بها على عربات أصحاب الألقاب والضياع والمزارع... فجِّروها في طرق العربات وفي أقبية القصور... أسمعوهم دويها وهم يموتون ممزقين... لا تخافوا... لا تخافوا، أنتم تعرفونهم... أما هم فلا يعرفون أحداً منكم... وهذه هي ورقتكم الرابحة".

• وباكونين هذا يُعد الأب الروحي لثورة البلاشفة، وكان عدواً لكل قياصرة روسيا، ويردد على مسامع الفلاحين والعُمال ما كان يقوله عنهم إيڤان الرهيب، حيث كان يسميهم الحشرات، ويطالب بقتل مَن لا ينصاع لقراراته بمقولته الشهيرة: "اقتلوا هؤلاء الحشرات، فلا أريد أن أسمع طنينها"، فكان باكونين يردد هذه المقولات لتحفيز هِمم العُمال والفلاحين للقيام بالثورة على حُكم القياصرة.

***

• مع أن قيصر روسيا الأخير اتَّبع سياسة أكثر سلماً مع شعبه، لكن كان عيبه الكبير أنه يسير ببطء، ولم يدرك الكوارث المحدقة به إلا بعد فوات الأوان، فحركات الثوار كانت أسرع مما يتصوَّر، وكل أجهزته لم تستطع أن تواجه الذين يحملون منشوراً كتبه باكونين جاء فيه: "أيها الروس، القياصرة يسمونكم حشرات... أما أنا فأقول إن القياصرة وزبانيتهم من الإقطاعيين ومُلاك الأراضي وأصحاب الألقاب هم الحشرات... الفرق هو أنهم حشرات ضارة... فما رأيكم في إبادتهم؟!".

***

• هذا مجرَّد مثال معاصر... أما ما سطَّره التاريخ عن قيام الثورات، فالحديث فيه يطول جداً، ولأن البعض لا يقرأ التاريخ، فالشعوب قد تصبر على الضيم، لكنها لن تسكت عن المطالبة بحُريتها.

back to top