ما قل ودل: على هامش ندوة جمعية المحاسبين والمراجعين حول التقاعد المبكر

نشر في 29-09-2019
آخر تحديث 29-09-2019 | 00:08
 المستشار شفيق إمام التقاعد في الكويت الأسرع

في العالم

كان هذا العنوان أحد مانشيتات الصحف اليومية حول ما قاله الأخ الفاضل خالد الفضالة نائب مدير عام المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وهو الخبير الأريب في نظام التأمينات الاجتماعية، فيما قاله في الندوة عن سن التقاعد في الكويت، والذي عند بلوغه يستحق المؤمن عليه معاشا تقاعدياً، بعد استكمال مدة الاشتراك التي حددها القانون.

سن التقاعد في الكويت

وتنفرد الكويت دون سائر دول العالم، بسن للتقاعد يقل عن سن التقاعد في دول العالم كافة، والذي يترواح في هذه الدول بين 67 سنة في النرويج والدنمارك وأيسلاندا و65 سنة في باقي دول أوروبا، وفي اليابان وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية وإنكلترا والبرتغال وكندا، ويحدد سن التقاعد في أغلب الدول العربية 60 سنة بالنسبة الى الرجل والمرأة، ويقل بمقدار خمس سنوات بالنسبة إلى المرأة في البحرين والسودان والجزائر والأردن.

وجدير بالذكر أن معظم دول العالم تتجة نحو زيادة سن التقاعد لتلافي العجز في صناديقها، والتي تشكل زيادة الأعمار سببا رئيسا له، والتي ترجع إلى تحسن الأحوال الصحية، وما يترتب على زيادة الأعمار من زيادة في مدد صرف المعاشات وعدم التناسب بين مقدار الاشتراكات والمدد الضئيلة المحسوبة على أساسها، وبين مقدار المعاشات والمدد الطويلة التي يتوقع أن تصرف خلالها.

العمل موروث إنساني في الكويت

ولعل ما يتناقض مع التقاعد المبكر والتهافت عليه ودأب المشرع على تشجيعه التراث الإنساني للعمل في الكويت، والذي بناه وأسسه وحافظ عليه وغرس ثقافتة الرعيل الأول، وهو المعلم الأول لقيمة العمل واحترامه، وهو الذي غاص في البحار بحثاً عن ثرواتها، وقد أحرقت الشمس محياه، وحفر الجد معالمه في أساريره، عندما لم تكن قد ظهرت قطرة نفط في هذه البلاد.

الإنسان عبقرية الزمان

وإذا كان النفط هو عبقرية المكان فإن الإنسان عبقرية الزمان القادر على التفكير والخلق والإبداع، ليعوض بقدراته ما نفد من مخزون النفط، ولينمي بها ما بقي من هذا المخزون، ليصبح النفط داعماً لنشاطه وإبداعه، بدلاً من أن يكون عامل نحر يأكل الجد والصبر والمثابرة التي كان عليها الرعيل الأول، فتشيع آفات التواكل والاعتماد الكامل على الدولة في كل متطلبات الحياة.

الدستور أعلى قيمة العمل

ولهذا جسد الرعيل الأول الذي وضع الدستور وأقره هذا التراث الإنساني للعمل في الكويت في نصوص دستورية تعلي قيمة العمل الإنسانية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية في نصوص المواد 16 و20 و26 و41 من الدستور.

ومؤدى هذه النصوص أن العمل ليس حقا دستوريا تقوم الدولة على توفيره للمواطنين فحسب، بل هو واجب وطني يستهدف الخير العام للشعب (المادتان 26، و41 من الدستور)، فضلا عن قيمة العمل الإنسانية التي تقتضيها الكرامة (المادة 41)، وهو إحدى دعامات المجتمع، وله وظيفة اجتماعية (المادة 16) فضلا عن إسهامه في تحقيق التنمية الاقتصادية وزيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء للمواطنين (المادة 20)، وهي قيم زاغ قانون التقاعد المبكر ببصره عنها.

ثقافة العمل

ولعل هذه النظرة الشاملة للعمل باعتباره حقاً للمواطن وواجباً عليه هي التي ترسخ ثقافة العمل في مجتمع بعينه، بالمقارنة بالمجتمعات الأخرى، وأن ثقافة العمل هي التي جعلت من اليابان صرحاً صناعياً شامخا في المجتمع الدولي، وأحد النمور الصناعية السبعة فيه.

وهو ما لا يتحقق إلا بالعلم والعمل الجاد المبدع، فالثقافة في مفهومها العام هي مجموع نتاج العمل الإنساني وإبداعاته من فكر وعلم وأدب وفن وتنمية، وغني عن البيان أن سياسة التكويت لن تؤتي ثمارها ولن يجني المجتمع الكويتي حصادها ما لم يتم غرس قيم وثقافة العمل في المجتمع، والتي يتناقض معها خطاب سياسي غارق حتى أذنيه في إقرار الحقوق من دون التفات إلى الواجبات، وبما تؤثر النظرة السلبية لقيمة العمل كواجب في هذا الخطاب على زيادة الإنتاج ورفع مستوى المعيشة وتحقيق الرخاء العام للمواطنين، كهدف للاقتصاد الوطني وفقا لأحكام المادة (20).

التقاعد المبكر وسياسة تكويت الوظائف

وقد كانت سياسة التكويت قاسماً مشتركاً في كثير من التشريعات التي أقرها مجلس الأمة في فصول تشريعية متعاقبة وعلى رأسها القانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية للعمل في الجهات غير الحكومية، والذي ألزم الحكومة بأن تؤدي للمواطنين أصحاب المهن والحرف ومن يعملون في جميع الجهات علاوة اجتماعية وعلاوة أولاد.

فضلا عن الالتزامات الكثيرة التي فرضها هذا القانون على القطاع الخاص لاستخدام العمالة الوطنية.

وأن القول بأن التقاعد المبكر سوف يؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة للشباب الكويتيين هو قول مردود عليه بأن ذلك لا يجوز أن يكون بإهدار الخبرات والمهارات التي اكتسبها المواطن نتاج سنوات من التعب والجهد، فالمهارة لا تكتسب بين يوم وليلة، وأننا بذلك نكون قد استبقنا الزمن، لأن هذا الحل لا يجوز طرحه أصلا إلا بعد أن تكون سياسة تكويت الوظائف قد اكتمل حصادها، فضلا عن أن حلق فرص العمل يكون من خلال تعزيز نمو القطاع الخاص، وزيادة فرص العمل به للمواطنين ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والحد من توظيف العمالة الوافدة في القطاع الحكومي في وظائف يمكن أن يشغلها المواطنون، وزيادة الاستثمار في المشروعات الصناعية والمالية ومشروعات البنية التحتية، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في تنفيذ المشروعات التنموية، وغير ذلك مما يخلق فرصا جديدة للمواطنين للعمل في هذه المشروعات.

وإن دور المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية هو توفير خدمات التأمين الاجتماعي، ولا يجوز النظر إليها أو إلى نظام التأمينات الاجتماعية كأداة لتوفير فرص عمل بإقصاء قوة بشرية كويتية في سن اكتمال الخبرة من سوق العمل بما يؤثر سلبا على التنمية الاقتصادية المستدامة.

back to top