مصروفات الميزانية... هدر صارخ وبنود غامضة

• قيمتهما 1.47 مليار دينار وتوازي 6.8% من جملة الإنفاق
• المسألة تتعدى إنفاق الأموال بلا مبرر إلى غياب العائد الاقتصادي والتنموي

نشر في 26-09-2019
آخر تحديث 26-09-2019 | 00:15
محمد البغلي
محمد البغلي
تعتبر الميزانية العامة للدولة مرآة لطبيعة الاختلالات الأساسية في الاقتصاد الكويتي، من حيث ضعف الإيرادات غير النفطية أو عجز الدولة عن توفير فرص العمل خارج القطاع العام أو انحراف وصول الدعم المالي والسلعي لمستحقيه الحقيقيين.

ومع تأكيد أن ميزانية الكويت تحتوي على اختلالات عميقة في إنفاقها الاستهلاكي وحتى الاستثماري، فإن قراءة أخرى لتفاصيل المصروفات المعدة من وزارة المالية، التي وضعت على غلاف ميزانية 2018 -2019 شعار "منظمة حكومية عصرية أكثر احترافية"، تكشف ضعفا مهنيا في آلية اعداد الميزانية، وهو ضعف في الشكل والمضمون من حيث غموض بعض البنود، فضلا عن الهدر الصارخ في المصروفات بقيمة اجمالية تبلغ 1.473 مليار دينار، أي 6.8 في المئة من اجمالي الميزانية، بما يفسر جانبا من عدم قدرتها على وضع سقف للمصروفات، خلال السنوات الثلاث الماضية.

بنود غامضة

احتوى شكل الميزانية، التي يفترض أنها مفصلة، بنودا مجهولة التفصيل بمبالغ عالية تصل الى 500 مليون دينار، اي ما يعادل 2.32 في المئة من إجمالي المصروفات، مثل صرف 225 مليون دينار لبند "مصروفات متنوعة" في قطاع الخدمات الحكومية البالغة قيمته 913 مليون دينار، رغم وجود بنود أخرى في نفس القطاع مفصلة بالكامل؛ كالأمن والسلامة والفندقة والنقل وإيجارات المعدات وغيرها كثير، ولكن البند الاكبر رغم ضخامته مقارنة بما يصرف على هذا القطاع (24.6 في المئة) جاء على شكل مصروفات متنوعة هي في حقيقتها غامضة.

ويمتد الغموض في بعض بنود الميزانية، التي يفترض أن نشرها التفصيلي جاء بغرض تقديم معلومات شفافة للمهتمين والباحثين، إلى بند آخر هو "مكافآت وجوائز لغير الموظفين" بقيمة ضخمة تبلغ 110 ملايين دينار، وهو بند بحاجة الى تفصيل أكثر، او بند "الأنشطة المختلفة" الذي تبلغ قيمته 103 ملايين دينار، رغم أن باب "مصروفات وتحويلات أخرى متنوعة"، الذي يضم البندين فصل في العديد من المصروفات الأخرى، رغم صغرها، كدعم الصحف المحلية بـ 200 ألف دينار، أو تعويضات الحوادث بـ 400 ألف دينار، أو حتى بند "المصروفات الخاصة" في الميزانية بقيمة 62 مليون دينار، وهو بند لطالما كان غطاء لبعض عمليات وشبهات الفساد التي انتشرت، أخيراً، في الكويت... والنصيحة هنا أن تشتمل ميزانيات الدولة في السنوات المقبلة على إيضاحات اكثر في تفاصيل المصروفات، لكي تكون البيانات مفيدة وليست معرضة للشك أو الغموض.

هدر بلا ضبط

وإذا كان كشف الغموض عن تفاصيل البيانات يحتاج إلى بعض الجهد من واضعي الميزانية فإن معالجة الهدر بلا شك تحتاج إلى جهد أكبر، لاسيما في بعض بنود العجز الصارخة، التي يبلغ إجماليها من خلال الرصد لعام 2018 -2019 ما يناهز 973 مليون دينار، أي ما يوازي 4.52 في المئة من إجمالي مصروفات الميزانية، ومنها ما تنفقه الدولة مثلا بقيمة 373 مليون دينار سنويا على العلاج بالخارج، رغم أن الدولة افتتحت، أخيراً، العديد من مشاريع التوسعة الصحية والمراكز في المستشفيات الحكومية، أو صرف 88 مليون دينار على التأمين الصحي للمتقاعدين في القطاع الخاص، مع أن الدولة تقدم العلاج المجاني لجميع مواطنيها!

وهنا قد يثور التساؤل: كيف يمكن اعتبار الإنفاق على صحة وحياة المواطنين هدراً للأموال؟

والجواب: الهدر يتمثل في طريقة الإنفاق، لا هدفه، فما أنفق من أموال على العلاج بالخارج خلال السنوات الاخيرة يمكن أن يؤسس لبنية تحتية تجعل العلاج الداخلي أفضل من أكبر المستشفيات العالمية، فضلاً عن أن أموال التأمين الصحي للمتقاعدين يمكن بها بناء وتشغيل مستشفى خاص بهم متخصص بالأمراض التي تشمل فئتهم العمرية، فلا خلاف على دور الدولة ومسؤوليتها تجاه المرضى أو المسنين، فالهدر ليس في قيمة ما تنفقه الدولة على خدماتها، بل في كفاءة هذا الإنفاق إن كان يؤسس لبنية تحتية مفيدة على المدى الطويل، أو يصرف كنفقات سنوية متكررة بلا عائد، إلا ذلك السلبي المتمثل في الأبعاد الانتخابية والسياسية.

مصروفات بلا جدوى

وإذا كان ثمة مساحة للنقاش حول جدوى الإنفاق الصحي، فإن الميزانية مليئة ببنود قد لا يختلف على عدم جدواها إلا واضعوها، فلا يعقل أن تدعي الدولة التقشف وهي تنفق 39 مليون دينار على على بند "الضيافة والحفلات والهدايا والرحلات"، وهي تختلف عما يصرف على بند "المراسلين والفندقة" البالغة قيمته 7.3 ملايين دينار، أو أن تصل قيمة ما يصرف على المباني الحكومية المؤجرة الى 55 مليون دينار سنويا، رغم أن لدى الدولة العديد من المدارس والكليات غير المستغلة التي يمكن أن يؤدي استغلالها الى توفير مبالغ ضخمة غير مبرر إنفاقها.

وإذا كان مفهوما ان تكون للكويت سياساتها في دعم الدول، من خلال الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية الذي يعمل وفق أسس استثمارية، فإن تضمين الميزانية العامة لبنود تصل قيمتها إلى 242 مليون دينار كمنح لحكومات وجهات أجنبية يتطلب قدراً معيناً من إعادة التقييم.

مؤتمرات وتدريب ومهمات

كما تبلغ قيمة ما يصرف على المؤتمرات المحلية والخارجية 10 ملايين دينار، وعلى برامج التدريب 37 مليون دينار، نحو 73 في المئة منها خارج الكويت، وليس من ضمنها المهمات الرسمية البالغ قيمتها 43 مليون دينار، وكلها ذات عائد إداري وتنموي منخفض، بدليل مؤشرات الكويت التنافسية المتراجعة سنوياً، الصادرة من المنتدى الاقتصادي العالمي. وحتى القرطاسية والأدوات المكتبية بلغت قيمتها 4.5 ملايين دينار، أما بدل السيارة لشاغلي الوظائف القيادية فتبلغ قيمته 1.4 مليون دينار، وهذه مصروفات بحاجة ملحة إلى إعادة تقييم، خصوصاً أنها سهلة الترشيد، وتقليصها إلى الحدود الدنيا لا يشكل ضرراً إلا على المنتفعين بها.

أما عقود الوزارات "المقطوعة والخاصة" مع المستشارين والموظفين الأجانب في القطاع العام فتبلغ 73 مليون دينار... ومع الإقرار بأن ثمة حاجة إلى خبرات معينة في بعض القطاعات، إلا أن الهدف النهائي ان يكون هذا البند متناقصا بالاتساق مع سياسات التكويت، لكنه في الحقيقة تضاعف خلال السنوات الخمس الماضية.

بالطبع لا يمكن لأي واضع ميزانية "تصفير" بند معين، مهما كان الهدر فيه لافتاً، ولكن على الأقل يجب إعادة تقييم الصرف، فمثلا الإنفاق على بنية تحتية إلكترونية في القطاع العام أولى من شراء قرطاسية وأدوات مكتبية بـ4.5 ملايين دينار، فضلاً عن أن تكون المؤتمرات وبرامج التدريب والمهمات الرسمية ضمن قواعد صارمة، بهدف تخفيضها بشكل جذري مع رفع درجة الاستفادة منها، إلى جانب ضخ الأموال لتطوير قطاع حيوي كالصحة بدلاً من هدرها، وهذا كله يحتاج إلى ان تتغير عقلية واضعي الميزانية من التفكير المحاسبي إلى الأفق الاقتصادي والتنموي، الذي يراعي أموراً عديدة منها شفافية بنود الصرف وكفاءة الإنفاق والترشيد، وهو ما يبدو غير متاح لا سابقاً ولا حالياً.

225 مليون دينار لـ «المصروفات المتنوعة» و62 مليوناً لـ «الخاصة» و110 ملايين لمكافآت غير الموظفين و103 ملايين لـ «الأنشطة المختلفة»

المؤتمرات بـ 10 ملايين دينار وبرامج التدريب بـ 37 مليوناً... والمهمات الرسمية قيمتها 43 مليوناً والقرطاسية 4.5 ملايين

إيجارات المباني الحكومية كلفتها 55 مليون دينار وبند «المراسلين والفندقة» 7.3 ملايين والضيافة والحفلات 39 مليوناً

373 مليون دينار للعلاج بالخارج و88 مليوناً لتأمين المتقاعدين والأَولى رفع كفاءة هذا الإنفاق لتنمية القطاع الصحي
back to top