ارم حجراً في الصحراء

نشر في 24-09-2019
آخر تحديث 24-09-2019 | 00:18
 حسن العيسى "ارم حجراً في بحيرة... سيعكِّر الحجر صفو المياه الراكدة، وسيشكِّل دائرة في البقعة التي سقط فيها... ستتسع تلك الدائرة وتشكِّل دائرة إثر دائرة، وسرعان ما تتوسع المويجات التي أحدثها سقوط الحجر، حتى تظهر على سطح الماء الذي يشبه المرآة، ولن تتوقف هذه الدائرة وتتلاشى، إلا عندما تبلغ الدوائر الشاطئ. إذا ألقيت حجراً في النهر، فإن النهر سيعتبره حركة أخرى من الفوضى في مجراه الصاخب المضطرب. لا شيء غير عادي، لا شيء يمكن السيطرة عليه...".

كانت تلك الفقرة من استهلال رواية "قواعد العشق الأربعون... رواية عن جلال الدين الرومي" للروائية التركية إليف شافاق، التي قامت وزارة الداخلية بمنع ندوة عنها، عقب هجوم بعض المغردين على الندوة، وبعد أن هدد وتوعد النائبان محمد الحويلة وثامر السويط وزير الداخلية بالأسطوانة المهترئة السمجة عن عاداتنا وتقاليدنا وشريعتنا الإسلامية... فسارع وزيرها يلبي نداء الواجب حسب ما تفرضه تلك القوى المجلسية، وكي يحصل على بركاتهما مع غيرهما إذا ادلهمت الخطوب غداً في مساءلة سياسية ما.

ما هو واقعنا الثقافي اليوم المحصور بين نواب مجلس شكلي مثل هذا، وحكومة تتوارى عن قضايا الفساد المستوطن في مؤسساتها خلف ساتر ترضية نواب التزمت وأعداء حُرية الضمير؟

ما يهم أن نذكره هنا أنه لا هذا المجلس ولا هذه الحكومة، والاثنان حظهما في الثقافة الإنسانية أكثر من بائس، يعرفان أي أمر عن الفكر الصوفي أو رواية الكاتبة إليف شافاق، لكن من أجل ضجيج دوغما الجهل، وتأجيج المشاعر الدينية، ألقت هذه الحكومة قضية الحُرية هذه المرَّة في سلة قمامتها كالعادة.

أليس هناك من نهاية مع سُلطات الإرهاب والقمع الفكري، بدءاً من الزج بالمغردين والمتظاهرين البدون الذين أرادوا التعبير عن بؤسهم في السجون، إلى إرهاب الصحافة بقوانين ظالمة غبية مستمدة من عصور مظلمة، إلى إحالة معارض الكتاب إلى معارض فنون الطبخ وكُتب بعنوان بأي قدم تدخل المرحاض، إلى منع كُتاب ومفكرين أجانب من دخول "عاصمة الثقافة" العربية... والقائمة تطول؟

هل يمكن أن يتغيَّر واقع الدولة طالما ظل "السادة" في مكانهم، وعلى كراسيهم في المجلسين؟ وهل يصح أن تستند هذه السُّلطة الحكومية بقرار المنع إلى رغبة النواب، بحجة أنهم يمثلون الشعب؟! ماذا لو كانت هذه الأغلبية المحافظة غارقة في جهلها، لا تدرك أولويات الدولة والمستقبل، بعيدة عن الثقافة والمدنية وأبسط مفاهيم حقوق الإنسان؟! أليس من واجب السُّلطة الحاكمة أن تقف مع الثقافة والتنوير وإيقاظ الوعي الإنساني بقضايا الحقوق والحُريات؟ هل يكفي أن يقصَّ الرسميون أشرطة افتتاح صالات فخمة مثل مركز جابر أو متحف ما، فيما لا يوجد فكر حُر مبدع يخلق، يرفض التقليد، يتحرك، يثور، يتململ من قيود العادة والمطلق والثابت، جدلي يناقش كل قضايا المجتمع من دون سلاسل التابو والمحرم وكل الزواجر التي يتسابق في طرحها نواب المجلس، وتباركها حكومة سعيدة ببؤس جهلها؟

الإجابة لا تحتاج إلى تفكير طويل، ويبقى تساؤل: ماذا تجدي مثل هذه الكلمات بخطاب مع هذا الحائط الأصم؟ فنحن لا نُلقي حجراً في بحيرة لنستمتع بشكل الدوائر تتابع وتقترب من الشاطئ، ولا نرمي هذا الحجر في نهر صاخب... نرمي أحجاراً كثيرة في رمال صحراء قاسية جافة... فلا نجد شيئاً غير نفضة تحتبس في الصدور، يا خسارة الكويت بكم.

back to top