النخلة رمز الكبرياء

نشر في 18-09-2019
آخر تحديث 18-09-2019 | 00:09
 د. عبدالمالك خلف التميمي كانت غذاء الأغنياء والفقراء، سامقة في عنان السماء، عربية النماء، حملها تسعة أشهر كالنساء، وهي رمز التحدي والكبرياء، تعيش على التربة والشمس والماء، تثمر صيفاً وترتاح في الشتاء.

هذه الشجرة مباركة مثمرة نظيفة لا تخلو منها أرض عربية، جلست أتأملها في حديقة منزلي، وأتأمل ثمرها الذي عاش عليه إنساننا مع لبن الحيوان سنين طوالا، تتمايل مع الريح لكنها صامدة واقفة رمزاً للتحدي والكبرياء. لجأت إليها في مقالي اليوم لأنها تستحق أن نلتفت إليها، ونتأمل حياتها وعطاءها، فقد عاش عليها إنساننا، واستفاد من كل شيء فيها، إذ لا يُرمى منها شيء في الزمن الماضي، ولعل جيلنا اليوم لم يعش تلك الحقبة، ويلمس كرم هذه الشجرة، فهو اليوم يتلذذ طعم رطبها وتمرها فقط، لكن أجداده قد استفادوا من كل جزء فيها. تمتد مساحة زراعتها عبر الأرض العربية، حتى لدى غير العرب هي أساساً نقلت فسائلها من هذه الأرض فهي عربية الانتماء، ورمز وحدة العرب.

قد يرى البعض أن كتابتنا عن النخلة اليوم لأننا لم نجد موضوعاً للكتابة، ونود القول إن مئات الموضوعات تدور في ذهننا ولا نشكو فقراً فيها، بيد أننا ونحن نطل من شباك منزلنا على النخلة في حديقتنا قلنا ألا تستحق هذه الشجرة أن نذكرها، ونتأمل شموخها؟ ومع تقدم وسائل الحياة اليوم ما يهمنا أغلب ما كانت تقدمه النخلة لمجتمعاتنا في الريف والصحراء، فتبنى منها المساعي ويستخدم سعفها وجذوعها للوقود، وجذوعها جسور لأسقف المنازل، وثمرها في كل مراحله لذيذ، لا بل حتى كل ما يتبقى منها يُصنع فرشاً للمنزل، وأكياس تعبئة التمور، ومن جذوعها جسور الجداول والقنوات، ويستفيد منها الإنسان في حياته، وكذلك بعد اقتلاعها يستفيد الفلاحون منها، وعندما تهرم يلجؤون إلى زراعة الفسائل ليخلف الأبناء الآباء والأجداد تماماً كالإنسان، لا بل هي مفيدة في كل شيء وغير ضارة.

وإذا رجعنا إلى التاريخ العربي وتأملناه نجد أن النخلة قد أدت دوراً في الحياة العربية، فقد كان الإنسان يرعى الماشية ويزرع النخلة ويعتني بها، ويأكل ثمرها ويشرب الحليب، فتكتمل لديه عناصر الغذاء، ولا يحتاج ما توفره مدنية اليوم من الوجبات السريعة المؤدية إلى الأمراض، بالإضافة إلى ذلك فإن منظرها جميل، وهي خضراء على الدوام، ولا تخلو من أوكار الطيور وأعشاشها وتغريدها خصوصا في أشهر الربيع والصيف، وكل ما تريده تربة صالحة وشمس وماء، وتتحمل حياة الريف والصحراء.

نرجو أن تكون زيارتنا اليوم للنخلة فرصة لتأمل عطائها، ويزداد عددها في بلادنا، وهذا خير وبركة لا يخلو منها بيت وشارع ولا حديقة ولا مزرعة، تتحمل حرارة الجو وبرد الشتاء والعيش في الصحراء والريف معاً، لنتأمل هذه الشجرة ولنعتنِ بها بقدر عطائها وكرمها.

back to top