آرثر رامبو وحسينة في عدن

نشر في 17-09-2019
آخر تحديث 17-09-2019 | 00:05
 حمود الشايجي (1)

"جئتك من عند الشيخ سر بهذا الدفتر"، ابتسم رامبو وهو يتأمل حسينة وبشرتها؛ التي أعطتها النار التي بينهما لمعاناً بَهَرَهُ، سألها عمَّا في الدفتر، "سر من أسرار السر، خطَّه الشيخ سر بنفسه لك"، أمال رابمو رأسه إلى اليسار، أطلق نظرته من النار التي استقرت بينه وبين حسينة، "والمقابل؟"، "تبيعني في سوق عدن الكبير لمن أشير لك إليه"، قلَّب رامبو ردّ حسينة في رأسه: "ولماذا لا نذهب إليه مباشرة إذا كنت تعرفين شاريك؟"، "لم أعرفه بعد"، الريبة تسلَّلت إلى رأس رامبو، "كيف؟"، من دون تفكير وكأن لسانها آمن بما تقول قبل قلبها، "سأعرفه عندما أراه".

أخذ رامبو غصناً متطرفاً من النار التي كانت بينه وبين حسينة، أشعل به سيجارته اللف، أخذ نفساً وقدّمها إلى حسينة التي ردته، لانتظارها رده على ما أرادت، لا أن يعطيها سيجارته، هزَّت رأسها تستحثه على إجابتها بالموافقة أو الرفض، رامبو وهو يخرج دخان سيجارته من منخاريه، "شرط بشرط"، التمعت عين حسينة، "وما هو شرطك؟"، غرس سيجارته في الرمل، "تُعَلِّمينني بنفسك تعاليم السر"، من دون أي تردد ردت حسينة، "أنا ملكك لثلاث ليالٍ".

رمت حسينة الدفتر في النار التي أمامها، ما استفز رامبو الذي قفز إلى النار يحاول انتشال الدفتر الذي أكلت النار الجزء الأكبر منه، "السر لا يكون في دفتر"، مدَّدت جسدها على الأرض، بعد أن فعلت ما فعلته، وقالت ما قالته بكل برود، ثبتت عينيها في السماء تتأمل النجوم وتشكيلاتها، استسلم رامبو وجلس وهو يسأل: "ما السر؟"، من دون أن تلتفت إليه وكأنها تقرأ جواب سؤاله بما ترى، "السر هو ما تراه بقلبك ولا تراه بعينك".

(2)

ثلاث ليالٍ مرت، ولم يعلم رامبو بأية سرعة مرت الليالي الثلاث التي تحدثوا فيها عن كل شيء إلا السر، تحدث هو عن الشعر وتجارة العبيد، وتحدثت حسينة عن أنواع العبودية، لم يفهمها رغم أنه جاهد عقله ليتمكّن من استيعاب ما يُقال له مثل: "إن أقسى عبودية يتلقاها الإنسان هي عبودية عينه"؛ و"أقسى تخلّ هو التخلي عن النفس، والدخول في الذات، والذات ليست ذات الواحد، بل ذاته هي عشقه".

كلمات حسينة أطربت رامبو، لم يقوَ على مقاطعتها ولو لمرة واحدة، لعلمه أن ما تقوله عن معرفة، رغم استغرابه إياها أول الأمر، لصغر سنها، فهو لا يعلم من أين لفتاة بهذا العمر كل هذه المعرفة والعرفان؟ "لا يمكن أن يكون ما لديها جاء عن طريق التعلم، إنما جاءها من فطرة فُطرت عليها"، كان هذا ما يُسِر إلى نفسه به، كلما بهرته حسينة بقول أو فعل، أو حتى حركة بسيطة خلال الليالي الثلاث التي مضت، وعليه الآن أن يفي بوعده لها بأن يبيعها لمن تختار في سوق عدن الكبير، "لكِ ما علي، لكنكِ لم تعطني السرّ بعد، رغم مرور المدة"، هزَّت حسينة رأسها وهي تبتسم لرامبو، "أعطيتك إياه، لكنّ السر لا تراه ولا تحسه، إنه يتخللك من الداخل؛ لا تستعجله".*

*من رواية جليلة.

back to top