مسارات غير آمنة

نشر في 16-09-2019
آخر تحديث 16-09-2019 | 00:20
 أ.د. غانم النجار كان أمس هو اليوم العالمي للديمقراطية، وصادف أن حلت فيه الانتخابات الرئاسية التونسية.

بدأت تونس مرحلة "الصمت الانتخابي"، قبل يومين، وهي المرحلة التي تسبق التصويت، ويمنع خلالها على المرشحين وأحزابهم الإعلان عن برامجهم أو الترويج لأنفسهم أو دعوة الناس للتصويت، ويرصد تلك التجاوزات الهيئة المستقلة للانتخابات.

وفي حين أن هناك صمتاً انتخابياً لأيام قليلة في تونس، هناك صمت مطلق في بقية الدول العربية، والتي تضبط حركة المجتمع فيها السلطة والنخب الحاكمة وتحالفات مجتمعية نحيفة.

يتنافس على الرئاسة ٢٤ مرشحاً يمثلون أغلبية ألوان الطيف السياسي، إلا أنه لا يبدو أنها قد استطاعت تحفيز الناخب التونسي، مما قد ينعكس على نسبة المشاركة، غير أن من المؤكد أنه لن يفوز أحد من المرشحين بنسبة ٩٠٪ المعروفة عربياً.

وعلى الرغم من كل مفارقات الانتخابات في تونس، كونها هي التي أطلقت جذوة الحراكات الشعبية العربية في ٢٠١١، فمازالت، رغم الترنح، تحاول الخروج من مأزق "الثورة المضادة"، وحالة الترهل السياسي والتركة الثقيلة من الفساد والوضع الاقتصادي الراكد، والعنف السياسي، والتدهور الإقليمي الذي يلقي دوماً بظلاله على الحالة العامة مضيفاً إحباطاً على إحباط.

الانتخابات الرئاسية التونسية، التي قد تعلن نتائجها بأي لحظة، جاءت دون توقيت مقرر، حيث فرضتها وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي، وأشعلت حراكاً سياسياً قد يخبو بعد إعلان النتائج. يخوض الانتخابات شخصيات جربت السلطة، فهناك رئيس الوزراء وزير الدفاع، وهناك رئيس برلمان، ورئيس حكومة سابق ورئيس جمهورية سابق. فكيف ستتصرف تلك الشخصيات النافذة، والتي ذاقت طعم السلطة، بعد النتائج؟ هل ستقبلها بروح رياضية، أم أنها سترفض النتائج، ليس باتباع الوسائل القانونية المتبعة، ولكن عن طريق إرباك العملية السياسية برمتها وإدخالها في نفق مظلم؟ العملية السياسية الانتخابية تحتاج إلى تمرين وثقافة وزمن، وهو ما نرجوه في هذه الحالة، خاصة أن لدينا تجربة في طور التكوين في السودان أسقطت نظاماً جثم على صدر المجتمع ثلاثة عقود، وعلى الرغم من حالة الانكسار التي خلفها النظام السابق، فإنها حتى اللحظة تسير بهدوء ونضج، كان آخر معالمها استعدادهم لضم كل القوى المسلحة التي لم تدخل ضمن الوثيقة الدستورية، في سبيل خلق السلام والاستقرار.

الديمقراطية ليست انتخابات فحسب، بل إدماج كل قوى المجتمع في التحول السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهي مسألة أسهل في تونس ذات التباينات القليلة إثنياً ودينياً وعرقياً ولغوياً، منها في السودان ذي التباينات الحادة في كل جانب.

في ظل الظلام الدامس، والتراجع العربي الملحوظ في كل الجبهات، والحروب المشتعلة، وملايين اللاجئين، واستلاب القرار الخارجي جزئياً أو كلياً، تستحق التجربة التونسية المراقبة والتأمل، عساها تخرج من عنق الزجاجة إلى رحابة الاستقرار والإنجاز، وعساها تكون نموذجاً لأنظمة أخرى، فقد هرمنا.

back to top