كوثر التابعي: أكتب بعفوية وأهتم بالمهمشين

نشر في 15-09-2019
آخر تحديث 15-09-2019 | 00:02
كوثر التابعي
كوثر التابعي
يتنوع إبداعها بين الشعر والقصة القصيرة والرواية. لغتها تغازل روح القارئ، سواء حين تكتب نصاً باللغة العربية أو الألمانية، وموضوعاتها تلتحم بالإنسان والأرض، وتفتش عن الجوانب الإنسانية في عوالم المهمشين والمقهورين. وفي حوار أجرته معها "الجريدة" من القاهرة، قالت الأديبة التونسية كوثر التابعي إنها تكتب بعفوية، ولا تندم على شيء، لافتة إلى أن اللغة العربية أضحت وطنها، في ظل منفاها الاختياري بألمانيا. واعتبرت أن ثمة أخطاء يمكن التغاضي عنها في النص الإبداعي، وأخرى لا تُغتفر. وفيما يلي نص الحوار:

● قضايا المرأة... هل تشكل المنطلق الرئيس لكتاباتك، أم ثمة قضايا أخرى تشغلك؟

- قضيتي هي الإنسان عامة. طبعا يهمني أمر المرأة، وأمقت العنف والجور منذ نعومة أظفاري، لكن ليست المرأة وحدها ما يعنيني. يهمني شأن المقهورين والمستضعفين والمهمشين في كل أنحاء العالم، كما يهمني شأن هذه الأرض، وشجرها وبحارها وهواءها، التي لوَّثها خليفة الله بشتى أنواع قاذوراته وصلفه وجشعه.

● أصدرت كتباً باللغة الألمانية... على أي أساس تحددين اللغة التي تستخدمينها قبل إطلاق العنان لقلمكِ؟

- علاقتي باللغة العربية كانت وثيقة منذ الصغر. بقيت هي الأقرب، رغم شغفي بالألمانية والفرنسية، لكن لم أكن أتوقع يوماً أن أكتب بلغة غير العربية. الطريف أنني اليوم لا أختار ولا أحتار في تحديد اللغة التي أكتب بها. النص؛ سواء قصيدة أم قصة قصيرة، هو نفسه الذي يختار اللغة التي يريد أن يرى فيها ضوء الوجود. آخر ما كنت أتوقعه أن أكتب يوما ما شعراً بالألمانية. اللغة العربية كائن جميل، كما يقول الكاتب رفيق شامي، وهذا الكائن الجميل صار بالنسبة لي في منفاي الاختياري وطناً.

● أيهما تهتمين به أكثر: اللغة أم التقنية؟

- تكويني الأكاديمي وعملي تقني بحت (هندسة حاسوب). لم أدرس في يوم تقنية ما بشأن الكتابة. أكتب بعفوية، وأعلم أن ما أكتبه هو لوحة فسيفساء أدين بها لفكر كل مَن قرأت لهم في حياتي. الغوص في اللغة يستهويني جداً، لكن التماسك في النص الإبداعي مهم أيضاً، وهناك أخطاء يمكن التغاضي عنها في نص إبداعي، وأخرى لا تُغتفر.

● ماذا تعني الكتابة بالنسبة إليك؟

- الكتابة تعني لدي أحياناً كوة أرى من خلالها العالم، وأحياناً ملاذاً من وطأة ألم حاد، وأحياناً ألماً في حد ذاتها، وأحيانا البُعد الخامس بعد الطول والعرض والعمق والزمن في هذا الوجود.

● رحلتك من تونس إلى ألمانيا كانت للدراسة والبحث عن حرية الفكر... كيف تحقق لك ما تمنيت بعد حوالي 20 عاماً من الإقامة في ميونيخ؟

- هكذا بدأت الرحلة: حملت بنت التاسعة عشرة حقيبة مستعارة، وركبت الطائرة لأول مرة في حياتها. خمس أو ست سنوات للدراسة في إحدى جامعات ألمانيا العريقة، ثم تعود لتسهم في بناء الوطن ورد الجميل. إتقان لغة غوته وشيلر، وقراءة دورنمات وهايني وتوماس مان ونيتشه وهايدغر في اللغة الأصل. فك طلسم الفكر الغربي وسبب الاختلاف بيننا وبينهم، وكذلك تقصي سر نهوض ألمانيا من تحت أنقاض الحرب كي تصير وفي مدة وجيزة قوة عالمية مجددا.

إلى جانب ذلك كانت في أعماقي رغبة فطرية للإفلات من رقابة الوالدين وخوض التجربة الإسلامية على وجه صحيح، بارتداء الحجاب والغوص فيما كنا نسميه يومها "الإسلام هو الحل"، وذلك في قلب أوروبا. كانت هذه هي دوافعي التي كنت واعية بها. كنت متعطشة في تلك السن بكل جوارحي لكل ما ستفتحه لي نافذة هذه التجربة، ولم يكن يخطر في بالي أبداً أن تستمر الرحلة إلى اليوم. لست أدري إن كان هدفي تحقق أم لا. ربما لم يكن ضرورياً أن أخوض تجربة الهجرة كي أجد سبيلاً لتحرير فكري من قيود الوراثة وبيئة النشأة. لي أصدقاء بقوا داخل الوطن، ومع ذلك لنا مسيرة فكرية متشابهة. الهجرة لها ضريبتها الباهظة، ومع ذلك أنا مبدئي في الحياة مطلع أغنية الفنانة الفرنسية إديت بياف Edith piaf "لا. لا أندم على أي شيء" Non, je ne regrette rien. كانت في يومها رغبة جامحة في معانقة الكون واكتشاف الآخر والذات. وكنت أحدس بحكم ولهي بالرياضيات وعلم المنطق أننا ما نحن إلا واحدة من عدد لامتناهٍ من الإمكانيات الأخرى، والرحلة مستمرة.

● نشأت في بيت مهتم بالأدب، وكان والدك أديباً... كيف أسهمت هذه الأجواء في بلورة فكرك وصقل موهبتك الإبداعية لاحقاً؟

- أبي محمد الواثق بالله التابعي (رحمه الله) نشر في حياته كتاباً واحداً، وهو كتاب للأطفال عنوانه "الطائر المهاجر". وهذا من مفارقات الحياة، لكنها كانت رؤيا منه لمصيري. بالتأكيد أثر أبي على مسيرتي، رغم أن علاقتي به كانت معقدة. كانت خليطاً مربكاً من المحبة والألم، ومع ذلك كنت أجيب معلم العربية حين يسألني ماذا أريد أن أكون عندما أكبر: "أدبية أو عالمة". أذكر أن أبي كان حريصاً على تزويدي بالعدد الجديد من مجلة الأطفال "عرفان" ومن "المغامرون الخمسة" وسلسلة "الناجحون". وأول كتب الأساطير والخرافات التونسية والعربية والعالمية كانت هدايا من أبي. والداي أصيلا واحة "نفطة" في جنوب غرب تونس، وتسمى "الكوفة الصغرى"، لشغف أهلها منذ القدم باللغة والأدب. وتربطني قرابة بآل خريف، ومنهم الروائي البشير خريف، والشاعر مصطفى خريف. نشأت في عالم فيه الكتب والصحف والمجلات كالماء والهواء، كما أذكر جيداً كيف كان والدي يتأبط دائماً إما جريدة الصباح اليومية أو مجلة من المجلات مثل "آخر ساعة" المصرية، التي كان يحبها بشكل خاص ورئيس تحريرها المتميز محمد التابعي (رحمه الله). جدتي للأم كذلك كانت تقول الشعر الشعبي في لهجة أهل الجريد القريبة للفصحى.

● ما المشروع الأدبي الذي تعكفين عليه حالياً؟

- أنا بصدد مراجعة ديوان شعري بالعربية وآخر باللغتين الألمانية والعربية، أتمنى أن يريا نور الوجود قريباً. كذلك مخطوط رواية بالعربية، وأخرى بالألمانية موجودان في درج مكتبي. بقيت علاقتي بالكراس والقلم حميمة في خطوات الإبداع الأولى، رغم الحاسوب ولوحة المفاتيح.

ثمة أخطاء يمكن التغاضي عنها في النص الإبداعي وأخرى لا تُغتفر
back to top