الكتابة والتصوف

نشر في 10-09-2019
آخر تحديث 10-09-2019 | 00:05
 حمود الشايجي (1)

هناك من يرى أن رؤيتي للكتابة هي رؤية صوفية، لا أنكر ذلك، بل أؤكد هذه الرؤية، وأقول إن أيّ فعل يخرج عن التصوف لا يعول عليه.

ربما تتساءل: لماذا؟ الجواب بسيط جدا، رغم أنه يحتاج إلى بعض الشرح، فالبعض يعتقد أن الصوفية هي ما نراه في الموالد أو الزوايا، وبعض الحضرات، والبعض يربط الصوفية بالتديّن، لكنها أشمل من ذلك كله، فهي حالة روحية، تربط الإنسان بالكون الكلي بالشكل الذي يختاره، وخلوّ أي أمرٍ من هذه الحالة الروحية هو أمر لا يعول عليه بالنسبة إليّ.

لذلك ما دخلت إلى الكتابة إلا من هذا الباب، وما كتبته كله إلى الآن لا يخرج عن هذه الحالة وهذه الفكرة.

فالكتابة هي التي تمكنني من فهم ذاتي والآخر، هي التي تجعلني في حالة توحد مع هذا الكون بكل ما فيها من اختلافات وتوافقات، الكتابة هي التي أتصل معك بها، لنصل إلى حالة من التوحد الذاتي، حتى لو لم نكن قد عرفنا بعضنا من قبل، وهي التي جعلتني أفهمك وأفهمني.

(2)

أحد أسرار الكتابة المهمة التي تعلّمتها، كانت على يد مولانا جلال الدين الرومي الذي كان يقول:

"كنت أسمع اسمي

ولا أرى نفسي

كنت منشغلاً بنفسي

لكني أبداً لم أكن مستحقاً لها

وحين كان وخرجت من نفسي

وجدت نـفسـي".

هذه إحدى المعادلات السحرية التي يعتمدها الكاتب لاكتشاف ذاته، وبعد ذلك العالم من حوله، فهو يخرج من ذاته ليعيش في ذوات أخرى هي شخصياته، وهذا ما يغنيه، مما يجعله يرى أنه لولا تنوع الشخصيات ما اكتمل نصه، وبإيمانه بهذا التنوع في الشخصيات، وأنّ لكل منها وجهة نظر عليه أن يدافع عنها وهو يكتبها واضعاً لها المبررات، مما يعطيه القدرة على أن يفهم أن لكل إنسان مبرراً لما يفعله في هذه الحياة، لاعتقاده بأنه يملك الحقيقة، لذلك تتسع رؤية الكاتب الذي يرى أن الحقيقة في نصه والحياة لا تكتمل إلا بتنوع شخوصها وحقائقها ووجهات نظرها.

ومن هذا المنطلق نجد أن أجمل الكتّاب هم أولئك الذين لا يحاكمون شخوصهم، بل يعرضونهم كما هم بكل حيادية.

وأنا أرى أن على الكاتب أن يحب كل شخصياته مهما كان دورها، فلا وجود، بوجهة نظري، للخير أو للشر في النص، ولا حتى في الحياة، بل هناك أبعاد درامية، وهناك شخصيات عليها القيام بما عليها القيام به لتتم هذه الحياة، وتتم هذه الرواية.

back to top