الدبلوماسية لن تحل كل مشاكل أفغانستان المتصاعدة

نشر في 06-09-2019
آخر تحديث 06-09-2019 | 00:00
الجنرال ديفيد بتريوس
الجنرال ديفيد بتريوس
في مساء السابع عشر من شهر أغسطس الماضي وفي حين كان أكثر من ألف شخص يرقصون في حفل زفاف في كابول وقع انفجار أسفر عن مقتل 80 شخصاً وجرح نحو 200 من الحضور كان معظمهم من طائفة هزارا الشيعية. وتمكن العريس والعروس بأعجوبة من النجاة على أي حال، وقال العريس إنه لن يعرف السعادة في حياته بعد الآن.

كان هذا واحداً من أسوأ الأحداث التي واكبت تسع جولات من محادثات السلام بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية منذ شهر يوليو من عام 2018.

وقبل ذلك بعشرة أيام أودى تفجير انتحاري نفذته حركة طالبان في مركز للشرطة في كابول بحياة 14 شخصاً واصابة 145 بجروح مختلفة، وفي مساء الحادي عشر من شهر أغسطس الماضي تمكنت قوة مشتركة من قوة حماية خوست التي تديرها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية من إلقاء القبض على أحد عشر من المدنيين العزل واعدامهم في اقليم زيورمات حين كانوا يحتفلون بعيد الأضحى في باكتيا على الحدود مع باكستان.

وإضافة الى ذلك كله أسفرت غارات لطائرات أميركية وأفغانية في 20 و22 يوليو الماضي عن مقتل 12 مدنياً بمن فيهم بعض البدو الرحل والمزارعين في إقليمي بادغيس ولوغار، من جهة أخرى أصدر تنظيم داعش في سورية والعراق بياناً يتبنى فيه المسؤولية عن الهجوم الذي استهدف حفل الزفاف المشار اليه.

وتتم عمليات القصف ومحاربة الإرهاب من جانب حكومتي الولايات المتحدة وأفغانستان وفقاً لقواعد الاشتباك المخففة والمرنة التي حددها الرئيس ترامب في عام 2017 وقال يومها «نحن لن نعمل على بناء دول من جديد. نحن نقتل الإرهابيين». ولأول مرة منذ بداية الحرب تسببت القوات الأميركية والأفغانية بمقتل عدد من المدنيين يفوق ما أسفر عن هجمات حركة طالبان في هذه السنة، وذلك بحسب أرقام الأمم المتحدة، وليس من المفاجئ أن الشعب الأفغاني ليس متفائلاً جداً حول إمكانية التوصل الى اتفاقية سلام وشيكة بين الولايات المتحدة وحركة طالبان ناهيك عن التحذير الذي صدر في الآونة الأخيرة عن الجنرال المتقاعد والرئيس السابق لجهاز المخابرات المركزية الأميركية ديفيد بتريوس والذي أشار فيه الى خطر «الخروج التام من أفغانستان»، وقال إن «المنطق يملي استمرار الولايات المتحدة في مسار الضغط الخاص على الشبكات الارهابية المتطرفة».

حملة الضغوط العقيمة

وبعد 18 عاماً من «الوجود والحضور والضغوط» وفي حين استمرت الحكومة الأفغانية المؤيدة من الولايات المتحدة في خسارة الأرض لمصلحة حركة طالبان وتنظيم داعش مع قيامهما بقتل المدنيين في العاصمة كابول من دون التعرض الى عقاب فإن نسخة المؤسسة الأمنية القومية من «المنطق» تدعو الى مضاعفة السياسات الفاشلة. وعندما تكون في حفرة يتعين عليك البدء بالتزام طويل الأجل للحفر والخروج منها.

ولكن الجنرال بتريوس كان على حق في التحذير من مخاطر الانسحاب المفاجئ، كما أن تسرع الرئيس ترامب في السعي الى تحقيق سلام في أفغانستان يتماشى مع خطة الانتخابات الأميركية ويشعر الشعب الأفغاني بأن اتفاقية سلام مع حركة طالبان قد لا تحقق له ضمانة المكاسب التي توصل اليها نتيجة جهود «بناء الدولة» التي شوهها الرئيس ترامب. ولكن الانسحاب المرتقب هو حصيلة وضع على الأرض في أفغانستان والولايات المتحدة معاً وليس نتيجة لجهود سلام، وتجدر الإشارة الى أن تسرع الرئيس الأميركي بالانسحاب يهدد احتمالات تحقيق سلام في أفغانستان.

بعض القضايا البالغة الأهمية المعرضة للخطر في هذه المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان ظل غامضاً وربما بصورة متعمدة ومن بين تلك القضايا هو ما اذا كان اكتمال انسحاب القوات الأميركية سيتوقف على تنفيذ التسوية السياسية بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان. وبحسب تسلسل ذلك الانسحاب ووقف اطلاق النار والتسوية السياسية سيتعين توضيح تلك الجوانب في المقام الأول.

ثم إن أي اتفاقية ستقصر بشكل مؤكد عن التطلعات، ولكن ليس بسبب الفشل في المفاوضات أو تصميم الرئيس ترامب على الانسحاب من أفغانستان وهي المسألة التي يتشاطرها مع كل منافسيه في الانتخابات الرئاسية بل لأنه بعد 18 عاماً من الاستراتيجية العسكرية فشلت الولايات المتحدة في تحقيق الاستقرار أو القضاء على الارهاب. ولا يوجد أي سبب للظن أن الاستمرار في هذا المسار سيحقق نتيجة أفضل. ولا يعني احتمال فشل اتفاقية بين الولايات المتحدة وحركة طالبان توجيه الاتهام الى المفاوضات لأن ذلك يمثل انعكاساً لفشل الاستراتيجيات العسكرية السابقة بعد 18 عاماً.

من جهة اخرى يمكن لحصيلة 9 جولات من المفاوضات بين واشنطن وحركة طالبان والتي جرت في الدوحة أن توفر أفضل فرصة من أجل تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأساسية وخفض العنف في أفغانستان وجعل اجراءات محاربة الارهاب أكثر واقعية. وقد وافقت حركة طالبان على اجراء المفاوضات مع الحكومة الأفغانية والقوى السياسية الاخرى في البلاد حول وقف اطلاق النار وتحقيق تسوية سياسية بمجرد الانتهاء من قضية انسحاب القوات الأميركية، وتعمل النرويج بصورة نشطة على تنظيم تلك المفاوضات التي يتوقع أن تبدأ في أوسلو خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

وتجدر الاشارة الى أن حصيلة عملية السلام ليست مؤكدة، كما أن 40 عاماً من الحروب في أفغانستان خلفت رواسب عميقة من العداوات.

التدخل السوفياتي

السلام لم يظهر نهاية للتدخل السوفياتي في أفغانستان بعد اتفاقات عام 1988 برعاية الأمم المتحدة في جنيف (ثم تفكك الاتحاد السوفياتي نفسه في وقت لاحق) كما أن الولايات المتحدة أيدت المجاهدين في معارضتهم لأي مفاوضات مع «نظام كابول» الذي تدعمه موسكو ودول اقليمية أبرزها باكستان، وهو ما أفضى الى حروب وكالة في أفغانستان بهدف التصدي للخطر المحتمل من جانب منافسين جيوسياسيين.

مثل هذا السيناريو قد يعيد نفسه، ومن دون نظام سياسي داخلي يستوعب القوى الرئيسة والحد الأدنى من الاجماع الدولي حول الموقف الأمني في أفغانستان، وفي وسع اللاعبين الدوليين والأفغان العودة بسهولة الى زعزعة الدولة الأكثر فقراً في آسيا، حيث أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، كما أن الشباب عرضة للتجنيد من قبل جماعات مسلحة، ومن المهم فهم أن الوجود العسكري والاستخباراتي الأميركي في أفغانستان يمثل تهديداً يضاهي الارهاب. ومهما كان جوهر اتفاق السلام المحتمل فإن أفغانستان لن تصبح قاعدة مستقرة للقوات الأميركية لأن اولئك الذين يعارضون ذلك سيستمرون في اثارة نزاع يضعف الدولة ويوفر نقاط دخول للارهاب.

ويعتمد الكثير أيضاً على كيفية توافق حركة طالبان مع أعدائها في حكومة كابول، وهل تتراجع حركة طالبان عن رغبتها في اقامة «إمارتها الاسلامية» على أنقاض جمهورية أفغانستان الاسلامية الهشة؟ وفي حين يبدو أن حكومة كابول والائتلاف المتنوع الذي يدعم النظام الدستوري الحالي على استعداد لاستيعاب بعض مطالب حركة طالبان فإن الاجماع القومي والدولي العريض أظهر رغبة في الحفاظ على المكاسب السياسية والاجتماعية للجمهورية الاسلامية بما في ذلك توسيع الحقوق والفرص للمرأة.

وفي مناقشات جرت حديثاً أكدت الصين وروسيا وإيران وباكستان أن إمارة اسلامية تظل خطاً أحمر بالنسبة إليهم. وكان تحقيق مثل هذا الاجماع الدولي لعملية السلام أحد النجاحات الدبلوماسية النادرة للادارة الأميركية، وقد أصدرت الولايات المتحدة بياناً مشتركاً يؤيد العملية مع الصين وروسيا وباكستان والاتحاد الأوروبي، وستتم دعوة تلك الجهات اضافة الى ايران لحضور أي اتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان وبدء المفاوضات بينهما في أوسلو.

إن النجاح في هذه المفاوضات ودعمها من جانب ائتلاف دولي عريض سيقوي ويركز معركة كابول ضد دولة خراسان الاسلامية، وهي فرع من مجموعة جهادية دولية حققت قوة في شمال وشرق أفغانستان، وسيتطلب الاستقرار والسلام في أفغانستان أيضاً تعاوناً دولياً لربطها بالأسواق العالمية بالتنسيق مع العديد من مبادرات التنمية الدولية بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق في الصين وتنمية الميناء الإيراني تشابهر من قبل الهند وايران وأفغانستان.

● بارنيت روبن – فورين أفيرز

back to top