واكِبوا التطور... فلن تحكموا الفضاء

نشر في 04-09-2019
آخر تحديث 04-09-2019 | 00:15
No Image Caption
في السنوات القليلة الماضية، صدرت أربعة قوانين تتعلق بالاتصالات الإلكترونية، هي قانون هيئة الاتصالات، وقانون المعاملات الإلكترونية، ثم «جرائم تقنية المعلومات»، و«الإعلام الإلكتروني»، وفوق تلك وقبلها هناك قانونان أحدهما «الصحافة والمطبوعات»، والآخر قانون الإعلام المرئي والمسموع.

فهل كل هذا الزخم القانوني غير كافٍ، أو عاجز عن تغطية كل ما له علاقة بالنشر الإلكتروني، خصوصاً ما يتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي من تويتر، وفيسبوك، وواتساب، أو ما شابه؟! هذا هو السؤال الذي يطرحه البعض أمام الحملة المطالبة بإصدار تشريع جديد... فماذا ينقص هذه التشريعات لنتكلف قانوناً جديداً يكون السابع في ترتيبها؟ البعض ربط تلك الحملة بالحاجة إلى ضبط الحسابات الوهمية وكشف أصحابها ومعاقبتهم مع إغلاق تلك الحسابات، ولنقف هنا عند هذه الجزئية ونذكّر هؤلاء بقانون هيئة الاتصالات، الذي تعطي المادة الـ53 منه الهيئة الحق في حجب أي حساب بناء على طلب من النيابة العامة.... فهل يريد أولئك المطالبون بتشريع جديد إعطاء الحكومة صلاحيات حجب حسابات التواصل دون أمر النيابة؟!

نحن لا ننكر وجود مسيئين ومأجورين، لكن القوانين الحالية كفيلة بإعطاء كل متضرر حقه، ففي عام 2015 كان هناك 3000 قضية تتعلق بجرائم تقنية المعلومات بحثها القضاء وأصدر أحكامه فيها... حتى انخفض العدد إلى ألف قضية العام الماضي.

إضافة إلى ذلك، لم ينتبه الداعون إلى إصدار تشريع جديد إلى أن هذه التشريعات الستة المشار إليها أدخلت المحاكم وجهات التحقيق في تناقضات أحياناً، وفي أتون الفوضى أحياناً أخرى، وهو ما يعني أن الإسهاب في القوانين ليس حلاً للمشكلة.

إن التذرع بمواجهة الحسابات الوهمية حجة لا سند لها، ومردود عليها... فعندما احتاجت الحكومة إلى معلومات من «تويتر» عقب أحداث مسجد الصادق، وفي قضية أحد المغردين، خاطبت الموقع وحصلت على ما تريد... من دون الحاجة إلى قانون جديد... كما أن لديها أجهزتها الأمنية (أمن الدولة، والمباحث الإلكترونية... إلخ)، فهل تريد ضوءاً أخضر لتمارس ما تريده من سيطرة على قنوات التواصل الاجتماعي دون اللجوء إلى القضاء؟

لا نستطيع ولن نستطيع في يوم من الأيام أن نغلق فضاء لا نملكه، فضاء وتقنيات علمية تسبقنا وتعجزنا حتى عن محاولات اللحاق بها، ولذا فإن الذين يريدون السيطرة على فضاء المعلومات وتقنياتها بعقلية أمنية سيفشلون، لأنه فضاء من الصعب مجاراته... أما ما ينقصنا في ظل وجود تلك التشريعات التي تغطي كل ما نحتاجه قانونياً، فهو مزيد من الشفافية والحيوية في الردود لدحض الإشاعات قبل انتشارها، والمزيد من الحريات التي صانها الدستور وحماها.

إن الدعوة إلى مرسوم ضرورة أمر لا ضرورة له أبداً، خصوصاً أننا أمام مشكلة فنية تقنية لا تشريعية، والمطالبة بتشريع جديد مطلب لا جدوى منه، لاسيما أنه يجري في غرف مغلقة بعيداً عن مشاركة مؤسسات المجتمع المدني ودون سماع للرأي الآخر، اللهم إلا إذا كان الداعون متضررين ويريدون الانتقام من البعض على حساب الدولة ودستورها ومبادئها... غير عابئين بإرجاعنا إلى العصور الوسطى!

الجريدة

back to top