آمال : عقائد بأختام الدولة

نشر في 01-09-2019
آخر تحديث 01-09-2019 | 00:25
 محمد الوشيحي لا أدعي أنني ملمّ بالتاريخ الإيراني، لكنني أزعم أنني قرأت الكثير من الكتب التي تشرح ذلك التاريخ، قديمه وحديثه، وتتحدث عن تفاصيله؛ عن الدماء التي أريقت في الحروب، والضحكات التي جلجلت بعد الانتصارات، والمجازر التي نُفذت في الأسرى البؤساء، وانتقام الحاكم من أخيه، بقتله وقتل ذريته، أو سمل عينيه، بل سمل عيني ابنه، وقيام المنتصر بإخصاء المهزوم، وسيطرة الإيرانيين على العراق وأذربيجان طوال قرون، على فترات متباعدة، واعتبار هاتين الدولتين جزءاً أصيلاً من إيران، ووو...

وبعيداً عن كل ما تحويه تلك الكتب من معلومات مثيرة لدهشة القارئ، وقرفه أحياناً، وحنقه أحياناً أكثر، إلا أن ما توقفت عنده كثيراً هو تحكّم الملوك بمعتقدات الناس. سأكتبها بين هلالين وبصياغة أخرى كي تكون أوضح (تغيرت معتقدات الإيرانيين بتغير الحكام، وبحسب معتقدات الحكام أنفسهم ورغباتهم).

فإسماعيل الصفوي، أو إسماعيل الأول كما يسمونه، يتبع أجداده المذهب السني، الشافعي تحديداً... ومع ذلك استطاع إسماعيل الأول، مؤسس الدولة الصفوية (نسبة إلى اسم عائلته، فأسرته تلقب بـ"الصفوية"، والصفوية ليست عقيدة ولا مذهباً بل اسم ونسب)، أقول استطاع إسماعيل فرض مذهب الإمامية أو الاثني عشرية بالسيف والخازوق والحرق وغيرها من وسائل القتل والإكراه. وجاء بـ"مجالس التعزية"، وغيرها من الطقوس والشعائر ليثبت حكمه، من باب أن "الدين أقوى الأسلحة".

واستمرت دولته من بعده تعتقد بهذا المعتقد، الذي لم يكن معروفاً عند غالبية الناس، حتى صارت تقاتل دفاعاً عن معتقدها، وتحارب لنشره. وما إن انتهت الدولة الصفوية حتى جاءت الدولة الإفشارية، على يد مؤسسها الجبار "نادر شاه"، وهو أحد جبابرة التاريخ، وكان من عرق تركماني، فقرر تغيير المذهب الإمامي واستبداله بالمذهب الجعفري (نسبة إلى جعفر بن محمد الصادق)، باعتباره محبوباً من الطائفتين، السنة والشيعة، إذ كان نادر شاه يهدف إلى توحيد المسلمين تحت لوائه.

وبدون الدخول في التفاصيل المتشعبة، أثبت التاريخ أن معتقدات الشعوب، في الدول الاستبدادية، تتبع أهواء حاكمها المستبد، فإن كان الحاكم يهوى اللون الأحمر، على سبيل المثال، فالشعب بالتأكيد سيهوى هذا اللون، وسيأتي بـ"الأدلة" على تميز هذا اللون وسوء بقية الألوان، بشرط أن يستخدم الحاكم السيف والخازوق والنار، وإن جاء حاكم بعده يكره اللون الأحمر ويهوى اللون البنفسجي، فالأدلة موجودة على سمو هذا اللون وتميزه عن بقية الألوان، وسوء اللون الأحمر... وهكذا.

وما نشاهده الآن من قتال ومخابرات ومعارك اقتصادية وإعلامية ووو... له علاقة كبيرة بما في السطور أعلاه.

back to top