أبقوا روسيا خارج النظام الدولي!

نشر في 29-08-2019
آخر تحديث 29-08-2019 | 00:00
 كومينتاري على جميع المستويات، لا يطبّق ترامب أي نوع من المبادرات الاستراتيجية النموذجية من خلال استفزاز الدنمارك. قال ترامب للمراسلين في البيت الأبيض إن "غرينلاند كانت مجرّد فكرة"، لتبرير اهتمامه السابق بشراء الجزيرة من الدنمارك. كان تردد كوبنهاغن في التنازل عن جزءٍ من أرضها سبباً ظاهرياً لتفسير رفض الرئيس دعوة الملكة الدنماركية مارغريت الثانية لزيارة حليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو، كجزءٍ من جولته في أوروبا. هكذا تحوّل ما يعتبره ترامب مجرّد فكرة عابرة إلى حادثة دولية طفيفة.

من المؤسف أن يطغى هذا الإخفاق غير الدبلوماسي على إخفاق آخر أكثر أهمية، فخلال تلك المحادثة نفسها مع المراسلين، أيّد ترامب اقتراح روسيا إعادة الانتساب إلى مجموعة الدول الصناعية، أو مجموعة السبع، علماً أنها ستصبح مجموعة الثماني مجدداً بعد دخول روسيا إليها. أعلن ترامب أن "انضمام روسيا سيكون إيجابياً"، ثم غيّر وجهة كلامه فجأةً ليقول إن بوتين "حقق المكاسب من خلال التفوق بذكائه على الرئيس أوباما".

على عكس الجهود شبه الجدّية التي بذلها ترامب لاكتساب الأرض الدنماركية، بدا هذا الموقف أقرب إلى خلل عقلي واضح. ليست المرة الأولى التي يعلن فيها ترامب أن عودة روسيا إلى هذا النادي الدولي من الأمم خطوة "مناسبة"، وقد اعترف مسؤولون في البيت الأبيض بأن ترامب يضغط على الدول الأعضاء نيابةً عن بوتين. يرفض حلفاء الولايات المتحدة في الناتو من جهتهم اقتراح ترامب، ويصرون على اعتبار عودة روسيا إلى نادي الدول الصناعية موضوعاً غير قابل للتفاوض إلى أن تتخلى موسكو عن مطالباتها بشبه جزيرة القرم.

يمكن اعتبار هذا الموقف الرافض مريحاً، لكن ليس بدرجة كبيرة، فقد تلاشت الإرادة الأوروبية بالرد على روسيا غداة غزوها أرضاً أوكرانية وضمّها إليها في عام 2014. بعد مرور خمس سنوات على إقصائها من المنظمة، صوّت مجلس أوروبا (مؤسسة معنية بالحفاظ على حكم القانون والحكم الديمقراطي وحقوق الإنسان في القارة) على إرجاع حقوق التصويت إلى روسيا. خرج ممثلو أوكرانيا من المجلس احتجاجاً على ذلك القرار، لكن بقيت علامات الانزعاج من إعادة دمج روسيا في أوروبا محدودة.

تشكّل عودة روسيا البطيئة لكن الثابتة إلى المجتمع الدولي إشارة مريعة للقوى العالمية الإصلاحية. يشير الوضع إلى عدم استعداد أحد لبذل جهود مطوّلة لمعاقبة بلدٍ يستعمل القوة لزعزعة استقرار البلدان المجاورة له ويطلق حروباً لغزو الأراضي. أوروبا معروفة تقليدياً بنزعتها إلى الرضوخ في وجه أي تهديدات تطرحها الدول الاستبدادية العدائية، وكان يمكن الاتكال سابقاً على الولايات المتحدة لزيادة جرأة الأوروبيين. لكن في عهد دونالد ترامب، تتخلى الولايات المتحدة عن دورها كحصن منيع في وجه الأنظمة الاستبدادية المعادية للغرب.

إذا تمكنت روسيا من ضم الأراضي المجاورة، وتقديم دعم مادي للطغاة الذين يرتكبون إبادات جماعية، وإطلاق حركات تمرد داخل دول مستقلة، وشن حملات نافذة سرية في الخارج، وسحق المعارضة الداخلية من دون التعرض لأي محاسبة بارزة، يمكن القول حينها إن النظام الذي قادته الولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب لم يعد يناسب هذا العالم. يُعتبر الحفاظ على سلام نسبي وازدهار غير مسبوق، كما كان الوضع في حقبة ما بعد الحرب الباردة، جزءاً محورياً من المصلحة الأميركية. لكن يبدو أن الرئيس الأميركي الراهن لا يؤيد هذه الرؤية، ولا مفر من أن تعاني الأجيال المستقبلية لاحقاً بسبب قصر نظره!

* نواه روثمان

* كومنتري

back to top