آمال : حدّنا مدّنا

نشر في 25-08-2019
آخر تحديث 25-08-2019 | 00:20
 محمد الوشيحي كان ولدي سعود في الرابعة من عمره، ينقص متراً أو يزيد مثله، عندما أبلغتني أمه في الهاتف أنه لم يتوقف عن البكاء، فحدثته: "تجهز لنخرج سوياً بعد قليل"، فاستفسر وهو يجر كلماته من البكاء: "أجيب حدّي؟" - أي أرتدي أفضل ملابسي؟ - فقلت: "اي نعم جيب حدك"، فاستفسر ليطمئن أكثر: "أجيب حدّي مدّي؟" - مدّي هنا يبدو أنها الدرجة الأعلى من حدّي - فرددت: "يا ابن الحلال جيب حدك مدك وإن شئت كدّك، المهم تجهز".

ما إن وصلت إلى المنزل حتى وجدته ينتظرني عند الباب مرتدياً هدوم العيد؛ الدشداشة والغترة والعقال والبشت، ويقف متسمراً كي لا تتغير وضعية الغترة فوق رأسه، فأركبته السيارة إلى جانبي، وتوجهنا إلى الصناعية لإرضاء سيارتي التي تحتاج إلى تبديل زيتها.

في الصناعية، أخذت عهداً من ولدي، وأنا أحدثه بجدية الأمين العام للأمم المتحدة: "سأريك أشياء لكن لا تخبر إخوتك وأبناء عمومتك فيبكوا ويطلبوا مشاهدتها"، ثم خفضت صوتي لفرط السرية: "إن قلت لي كلمة (وعد) سأريك أشياء عجيبة"، فأجاب بجدية وتحفز: "وعد"! فشرعت أحدثه عن السر: "هذا هو الزيت القديم، وبعد قليل سأريك الزيت الجديد"، ثم استغللت انتباهه المفرط وأكملت: "وهذا تاير - عجلة - أسود بدون خط، وذاك تاير بخط".

وفي طريق العودة أعدت تذكيره بعهده في الحفاظ على السر، فأكده لي. ولما وصلنا إلى البيت، التفتّ إليه وغمزت له بعيني: "ها يا سعود بتفضح السر وإلا لا؟"، فأكد لي وهو يغالب ابتسامة الزهو أنه سيحتفظ بالسر. قبل أن أسمح له بأن يفشيه، فانطلق يتحدث بفرحة المفرج عنه: "شفنا تاير ما فيه خط وتاير فيه خط"، فذكّرته: "وشفنا الزيت القديم والزيت الجديد"، فوافق: "إي صح"، وراح يشرح لأبناء عمومته وجيرانه بحماسة ما شاهده من الأعاجيب؛ الزيت القديم والزيت الجديد، والتاير الذي بلا خط والتاير الذي بخط.

وما تفعله بنا حكومتنا، ويساعدها به برلماننا وأنصارهما، أنهم "عشمونا" بالتنمية فارتدينا هدوم العيد، وجبنا حدنا مدنا، وانتظرناهم أمام الباب، فأخذونا إلى الصناعية، لكن ليتهم أرونا الزيت القديم والزيت الجديد... كنا رضينا. على الأقل قاموا بالتحديث، لكنهم أخذونا إلى الصناعية، وهناك دلدلوا لنا لسانهم، ثم اندهشوا لعدم سعادتنا بهذه الدلدلة.

back to top