إسرائيل تعلن بناء وحدات للمستوطنين والفلسطينيين

نشر في 23-08-2019
آخر تحديث 23-08-2019 | 00:00
غاريد كوشنر و إييليت شاكيد و ديفيد فريدمان
غاريد كوشنر و إييليت شاكيد و ديفيد فريدمان
في 5 و6 أغسطس الجاري، وافقت لجنة إسرائيلية مشتركة من عدة وزارات على بناء مجموعتين من الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية، بعضها للمستوطنين الإسرائيليين والبعض الآخر للفلسطينيين، ويبدو أن عوامل مختلفة كانت وراء هذين الإعلانين، وقد تكون تداعياتها واسعة النطاق. وربما تكون الوحدات الإسرائيلية الجديدة مرتبطة بإعادة الانتخابات في سبتمبر، لكن موقعها سيمثّل تحولاً مقلقاً إذا ما تكرر بعد الانتخابات. أما بالنسبة للفلسطينيين، فتعد هذه هي المرة الأولى خلال ثلاث سنوات التي يمُنحون فيها أي وحدات في المنطقة (ج)، وهي جزء من الضفة الغربية التي تولّت إسرائيل السيطرة الكاملة عليها بعد اتفاقيات أوسلو، وليس من قبيل المصادفة أنه قد تم إصدار الإعلانين في غضون بضعة أيام أحدهما بعد الآخر.

تعيش أغلبية كبيرة من المستوطنين الإسرائيليين في وحدات تقع خارج الحاجز الأمني للضفة الغربية وبالقرب من المناطق الحضرية (المدن) الإسرائيلية، ولا تشكّل هذه المنطقة سوى 8 في المئة من إجمالي مساحة الضفة الغربية، سواء على طول خطوط وقف إطلاق النار لعام 1967 أو مجاورة لها، وتمركزت فيها معظم الجولات السابقة من الموافقات على المستوطنات، ولكن هذه المرة، يقع ثلثا الوحدات التي تمّت الموافقة عليها أو هي في المرحلة ما قبل الأخيرة من الموافقة - 1609 من أصل 2343 - خارج الحاجز.

ويمكن أن يساعد حصر مستوطنات جديدة في مناطق داخل الحاجز الأمني في الحفاظ على قابلية تطبيق حل الدولتين، لأنه من المرجح أن يتم ضم هذه المستوطنات إلى إسرائيل كجزء من عملية تبادل الأراضي خلال مفاوضات الوضع النهائي. وبهذا المعنى، على الأقل، يمكن اعتبار هذه المستوطنات أقل استفزازية، ومع ذلك، فإن إضافة وحدات جديدة خارج الحاجز هو أمر استفزازي للغاية ويجعل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين أكثر صعوبة في المستقبل.

تغيير النسب الديمغرافية والجغرافية

حالياً، يعيش حوالي 448,000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية - 344,000 داخل الجدار الأمني و104,000 خارجه. وبما أن إسرائيل ضمت القدس الشرقية اسمياً، فهي لا تَعتبر الـ 320,000 إسرائيلي الذي يعيشون فيها مستوطنين، رغم أن دولاً أخرى تعتبرهم كذلك، وفي كلتا الحالتين، فإن نسبة المستوطنين الذين يعيشون داخل الجدار عالية، 86٪ بمن فيهم أولئك في القدس الشرقية، و77٪ بدونها.

وفي الماضي، كانت معظم وحدات المستوطنات الجديدة تعكس هذه النسبة تقريباً، لكن الموافقات التي صدرت الأسبوع الماضي غيّرت ذلك تماماً - 68.7٪ من الوحدات الجديدة تقع خارج الحاجز، و 31.3٪ داخله. ويعني بناء 1609 وحدات خارج الحاجز إضافة ما يقدّر بـ6800 مستوطن إسرائيلي جديد هناك، وربما أكثر من ذلك بالنظر إلى الحجم الأكبر لعائلات المستوطنين.

على الرغم من نجاحه الانتخابي في رئاسة الائتلافات اليمينية، عادةً ما يُهزم نتنياهو في صناديق الاقتراع عندما يحاول استمالة الناخبين من المستوطنين الذين يعيشون خارج الحاجز الأمني، فأولئك الذين يعيشون داخله هم أكثر دعماً له، معتقدين أنه سيتمّ ضمّهم إلى إسرائيل لا استبعادهم عنها بموجب أي ترتيب يقوم على حل الدولتين قد يتمّ إبرامه مع الفلسطينيين.

وفي المقابل، لا يرى المستوطنون خارج الحاجز الأمني أي فرصة للحفاظ على أراضيهم في إطار مقاربة الدولتين؛ وهم أكثر عرضة لأن يتم التخلي عنهم في حال حدوث تبادل للأراضي، وبالتالي، يشكّون إلى حدّ كبير في التزام نتنياهو الأيديولوجي برفاهيتهم، ولم يغرّهم بسهولة تراجعه الظاهري عن مقاربة الدولتين في السنوات الأخيرة.

وكانت أحزاب من يمين نتنياهو قد استفادت من هذا الواقع، حيث هزمته بهامش ثلاثة إلى واحد في أوساط الناخبين خارج الحاجز الأمني. وصحّ هذا الاتجاه أيضاً حتى خلال الحملة الانتخابية في أبريل الماضي، حين أشار نتنياهو علناً إلى إمكانية قيام إسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية بشكل أحادي الجانب. ومن خلال جعل الحكومة توافق على المزيد من الوحدات خارج الحاجز الأمني قبل إعادة الانتخابات الشهر المقبل، ربما يحاول نتنياهو أن يُظهر للمستوطنين أنه يمكن الوثوق به من الناحية الأيديولوجية. وربما لم يكن من المستغرب أن تكون بيت إيل إحدى المستوطنات التي حصلت على أكثر الوحدات الجديدة (382).

وحدات فلسطينية بالمنطقة (ج)

بالإضافة إلى موافقة الحكومة الإسرائيلية على المستوطنات الجديدة، أقرت أيضاً بناء 715 وحدة جديدة للفلسطينيين في المنطقة (ج)، وهي المنطقة التي تشكل 60٪ من الضفة الغربية، وما زالت حساسة من الناحية السياسية. وتمارس السلطة الفلسطينية مستويات مختلفة من السيطرة في المنطقة (أ) (المناطق الحضرية الفلسطينية) والمنطقة (ب) (المناطق المحيطة بهذه المناطق الحضرية)، والتي يبلغ مجموعها 40 في المئة من الضفة الغربية. وتتولى إسرائيل السيطرة الأمنية الكاملة على المنطقة (ج)، ولكن الجانبين لم يتفقا بعد على وضع هذه المنطقة خارج هذا الواقع، مما يجعلها ساحة مركزية للصراع السياسي.

من جانبهم، غالباً ما يشير الفلسطينيون إلى القيمة الاقتصادية للمنطقة (أ) (المدن الفلسطينية) - ففي عام 2016 على سبيل المثال، خلصت دراسة أجراها "البنك الدولي" إلى أن عدم النفاذ الاقتصادي لـ "السلطة الفلسطينية" في المنطقة (ج) قلل من "ناتجها المحلي الإجمالي" بنسبة 35 في المئة، ولكن في إسرائيل، كرّس حزب يميني - بقيادة وزيرة العدل السابقة اييليت شاكيد ووزير التربية السابق نفتالي بينيت - نفسه لضمان عدم تنازل إسرائيل عن شبر واحد من المنطقة (ج).

ويفسّر هذا الضغط السياسي سبب موافقة إسرائيل على عدد قليل جداً من الوحدات الفلسطينية في المنطقة (ج) قبل الأسبوع الماضي، ومنذ عام 2000 إلى عام 2016، أفادت بعض التقارير إن إسرائيل لم توافق إلا على إقامة 226 وحدة مجتمعةً، ولم تقر أي وحدة بعد عام 2016، فلماذا وافقت الآن على بناء 715 وحدة؟

من جهة، يتزامن الإعلان في الأسبوع الماضي مع زيارة مبعوث البيت الأبيض غاريد كوشنر إلى الشرق الأوسط، وربما يكون نتنياهو قد اعتقد أن الموافقات الخاصة بالمنطقة (ج) ستساعد كوشنر أثناء جولته في العواصم العربية واحتمال تَعرّضه لانتقادات بسبب غياب التفاصيل المتعلقة بخطة السلام التي وضعتها الإدارة الأميركية والتي طال انتظارها. غير أن الإعلان عن وحدات فلسطينية جديدة لم يحظَ بأي اهتمام في العالم العربي، حيث ركّزت الحكومات بدلاً من ذلك على الوحدات الإسرائيلية الجديدة خارج الحاجز الأمني.

ومن غير الواضح ما هو الموقع المحدد لهذه الوحدات الفلسطينية؛ وقد تكهن البعض بأنه قد لا يتم بناؤها أبداً، ففي عام 1997، خلال ولاية نتنياهو الأولى كرئيس وزراء، أدلى بإعلان مزدوج مماثل، وافق فيه على بناء وحدات إسرائيلية في منطقة هارحوما (أو جبل أبو غنيم) في القدس الشرقية بالتزامن مع وحدات فلسطينية جديدة؛ غير أنه لم يتمّ بناء هذه الأخيرة قط.

على الرغم من الشكوك المتزايدة، يصرّ مستشارو الرئيس ترامب على أنهم سيعرضون خطتهم للسلام في المستقبل القريب، حتى لو لم يتم ذلك إلّا بعد الانتخابات التي ستُجرى في إسرائيل في 17 سبتمبر. بيد أنه إذا كان بناء ثلثي الوحدات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة خارج الحاجز الأمني هو المعيار الجديد لا مجرد تضليل قبل الانتخابات، فسوف يؤدي ذلك إلى تآكل أي ثقة متبقية في مساعي جهود السلام الأميركية. وبسبب تنامي الشكوك أيضاً فيما يتعلق بالوحدات الفلسطينية الجديدة في المنطقة (ج)، قد يُغري ذلك إدارة ترامب على التشديد على بناء هذه الوحدات.

back to top