«الممر» دراما حربية تحمل رسائل سياسية واجتماعية

عرفة أجاد في توظيف أدواته ليقدم صورة عالمية وتنفيذاً متقناً للمعارك

نشر في 21-08-2019
آخر تحديث 21-08-2019 | 00:00
نجوم فيلم «الممر»
نجوم فيلم «الممر»
شكل فيلم «الممر» للمخرج شريف عرفة حالة سينمائية خاصة منذ طرحه في دور العرض العربية خلال الأسابيع الماضية، واستطاع رغم كلفته الإنتاجية الضخمة أن يجني أرباحاً كبيرة على مدار 8 أسابيع متجاوزاً 75 مليون جنيه مصري، ليشرع الباب على مصراعيه أمام عودة أفلام الحرب المغلفة بطابع درامي للواجهة مجدداً بعدما كانت غائبة عن المشهد السينمائي سنوات، ولعل هذا النجاح الذي حققه الفيلم على المستوى الجماهيري يضعنا أمام سؤالين هما، لماذا غاب الفيلم الحربي عن المشهد طوال السنوات السابقة؟ وماذا قدم صناع الممر؟
واجه الفيلم الحربي "الممر" تحديات عدة وصعوبات حالت دون منافسته القوالب الأخرى على الصعيد الإنتاجي لعزوف صناع السينما عن دخول تلك المنطقة خوفاً من خذلان شباك التذاكر، وذلك لسببين الأول موجة الكوميديا التي هيمنت فترة على النتاج السينمائي مدعومة بنجوم لهم حضور مؤثر مثل عادل إمام ومحمد سعد وأحمد حملي، أما السبب الثاني فهو المزاج العام للجمهور الذي يجد في الكوميديا والأكشن متنفساً من ضغوط الحياة لذا كانت فكرة إنتاج فيلم حربي مغامرة غير مأمونة.

وكان لجرأة المنتج هشام عبدالخالق على خوض تجربة إنتاج فيلم حربي مستعيناً بكاتب ومخرج صاغ فكرته بصبغة إنسانية وبشكل متمكن استطاع أن يقدم صورة عالمية وهو شريف عرفة، ونجوم تباروا في إخراج أفضل ما لديهم وهم أحمد عز، وإياد نصار، وأحمد فلوكس، وأحمد رزق، ومحمد فراج، وأحمد صلاح حسني لتتضافر جميع العناصر السابقة وتساهم في خروج "الممر" إلى النور.

حقبة مهمة

وتناول الفيلم حقبة مهمة من تاريخ مصر وهي حرب الاستنزاف التي جاءت في أعقاب نكسة 1967 وكان لافتاً تعامل الكاتب مع الحدث بصورة درامية إنسانية بعيداً عن فخ التوثيق أو تبني وجهة نظر على حساب أخرى أو محاكمة اشخاص، موظفاً بعض الحقائق خلال تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر والتي ربما لا تعرف عنها الأجيال الجديدة شيئاً ليستعرض أثر الهزيمة على المجتمع المصري نفسياً وهذا ما تجلي في مشهد السنترال، كما تضمن الفيلم رسائل مهمة سياسية واجتماعية أبرزها التأكيد على أن إسرائل هي العدو وإعلاء قيمة لحمة المجتمع المصري بكافة شرائحه من الإسكندرية مروراً بالقاهرة وصولاً إلى الصعيد والنوبة وإبراز الدور البطولي لبدو سيناء في حرب الاستنزاف وأكتوبر 1973 واستعرض الفيلم بعض المشكلات التي واكبت تلك الفترة مثل تهجير أبناء النوبة إبان بناء السد العالي وغيرها.

تلك الرسائل التي جاءت بطريقة مباشرة وغير مباشرة شكلت الدعائم الأساسية التي أرسى عليها عرفة قصته والتي دارت أحداثها حول دور قوات الصاعقة المصرية خلال حرب الاستنزاف، من خلال شخصية أحد القادة البواسل الذي يُدعى (نور)، ويناقش الفيلم المرحلة الزمنية بدءاً من نكسة 1967 وحتى الأوقات الأولى من حرب الاستنزاف مستعرضا آثار الهزيمة على المجتمع المصري الذي وجد في السخرية و"النكتة" متنفساً مما يعانيه ومسلطاً الضوء على الجهود التي بذلتها الدولة المصري لبث الثقة في القوات المسلحة عبر عمليات نوعية خلف خطوط العدو ومن هنا تبدأ رحلة "نور" ورجاله لتدمير إحدى النقاط الحصينة للجيش الإسرائيلي في سيناء وإنقاذ بعض الأسرى المصريين.

ملامح الشخصيات

وخلال الرحلة نتعرف على ملامح شخصية كل واحد من ابطال المهمة، نور القائد المتمرد على نفسه والذي شاهد بعينيه موت رجاله في الصحراء المكشوفة بعد الأوامر بالانسحاب من سيناء والتخلي عن السلاح عقب نكسة 67 وكيف أثر ذلك الأمر على حياته الخاصة وانعكس على نجله، على النقيض شخصية الضابط البحري والتي جسدها أحمد صلاح حسني فهو إنسان ملتزم منضبط يطيع أوامر قادته، ومن ضمن المجموعة المجند القادم من النوبة والذي هرب خوفاً من الموت ولكنه يعود بوازع الوطنية وآخر يأبى أن يواجه أسرته إلا بعد استرداد الأرض المسلوبة عنوة من الصهاينة، في حين أجاد الفنان أحمد رزق بتجسدي شخصية الصحافي المنتفع الذي يحاول الهروب من نظرات اللوم والاتهام بالانضمام لمجموعة الصاعقة المنوط بها تنفيذ المهمة ليوثق الحدث عن قرب نماذج عدة لشخوص من كل أطياف المجتمع المصري على اختلاف طباعهم إلا أن الانتماء والوطنية جمعتهم.

على مستوى الإخراج استطاع شريف عرفة وهو مخرج متمكن أن يوظف أدواته ليقدم صورة عالمية بتنفيذ متقن للمعارك ساعده مصمم المعارك الجنوب إفريقي "آندرو ماكنزي"، مع الاستعانة بقليل من المواد الأرشيفية وهي من المرات القلائل التي نشاهد فيها عملاً سينمائياً عربياً تستخدم فيه تقنيات متطورة لتحاكي الواقع، كما وفق المخرج في اختيار ممثليه بدءاً من أحمد عز الذي أجاد بأداء شخصية نور، أيضاً أحمد صلاح حسني بدور الضابط المنضبط، وكذلك إياد نصار الذي غرد خارج السرب بشخصية القائد الإسرائيلي فسرق الكاميرا من الجميع، أما أحمد رزق فقدم واحداً من افضل ادواره خلال السنوات الأخيرة إذ لم يتخل عن حسه الكوميدي واتقن دور الصحافي الذي القى بنفسه في خضم معركة حربية لإحساسه بالذنب مما اقترفت يداه بينما كانت المشاركة شرفية للبعض مثل شريف منير في مشهد واحد وأيضاً هند صبري ويبقى أن الفيلم كحدث أضاف للعديد من الفنانين المشاركين فيه.

تشابه

ورغم بعض الهفوات في العمل والبداية الرتيبة وغير المنطقية خصوصاً عقب مشهد عودة عز بعد النكسة إلى منزله وتعامل زوجته معه بصورة طبيعية رغم أن الحدث جلل وزلزل كيان المصريين جميعاً غير أن المنحنى اخذ في التصاعد ولعل مشهد شجار عز مع موظف السنترال شكل نقطة تحول في الأحداث، ويبقى أن ثمة تشابه بين "الممر"

وتحفة سبيلبيرغ Saving Private Ryan، فرقة من البحرية الأميركية في طريقها لعبور شواطئ نورماندي، يتلقون أفرادها الأوامر بتغيير طبيعة المهمة والنزول بعمق الأراضي الفرنسية لتحرير الجندي المحاصر "ريان" وفي "الممر" تذهب فرقة الصاعقة المصرية في مهمة لاختراق الضفة الشرقية وتدمير معسكر أسلحة للجانب الإسرائيلي، لكن تتغير طبيعة المهمة عندما يعلمون بوجود أسرى مصريين داخل هذا المعسكر، وتتبدل أولوية المهمة لإنقاذ الأسرى، وبينهم "محمود" أحمد فلوكس الضابط وهو وحيد والدته.

القوات المسلحة

فيلم الممر تم تصويره على مدار 3 أشهر، وبنت شركة الإنتاج ديكوراته بالكامل، إذ وفرت إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة مواقع التصوير، وبعدها تمت الاستعانة بمتخصصين لبناء الديكورات كلياً لمطابقتها بالواقع خلال تلك الفترة التي يدور حولها العمل.

والفيلم من تأليف وإخراج شريف عرفة، وشارك في كتابة الحوار وتأليف الأغاني الشاعر أمير طعيمة، وهو من بطولة أحمد عز، وهند صبري، ومحمد فراج، وأحمد فلوكس، وأحمد صلاح حسني، وإياد نصار، وشريف منير، ومحمد جمعة ، ومحمد الشرنوبي.

الكاتب سلط الضوء على حرب الاستنزاف مستعرضاً أثر الهزيمة على المجتمع المصري
back to top