أين الطاغية ومؤيدوه؟

نشر في 14-08-2019
آخر تحديث 14-08-2019 | 00:09
 د. عبدالمالك خلف التميمي القاتل يُقتَل ولو بعد حين، فقد حكم صدام حسين العراق أكثر من ربع قرن، وقتل في حروب داخلية وخارجية أكثر من مليون إنسان، وشرد أكثر من خمسة ملايين، وارتكب جريمة غزو الكويت عام 1990م، وهب رؤساء دول عربية لمناصرته، لكن السؤال: أين هو الآن؟ وأين القذافي وصالح والبشير وعرفات والمتأرجح في موقفه؟ بينما عادت الكويت إلى أهلها تعيد البناء، وتستمر في رسالتها.

لقد مرَّ في التاريخ طغاة، وكان مصيرهم شبيهاً بمصير هؤلاء، ولكن الطغاة وحدهم هم الذين لا يتعظون بدروس التاريخ. لماذا نقرأ التاريخ وندرسه إذا لم نكن نستفيد منه، وخصوصاً الحكام؟! الطغيان مرض عضال وقلة تدرك مخاطره، وهذا الطاغية أو ذاك لا يصبح طاغية إلا عندما تتهيأ له الفرصة، وتتجمع حوله حفنة أو طبقة من الطغاة الصغار المنافقين فيشعر بالعظمة، وكلما مارس الطغيان تعطش إلى غيره سواء تجاه شعبه أو الشعوب الأخرى، بل حتى قد ينتقم من رفاق دربه.

إن مسلسل الطغاة وسقوطهم مازال مستمراً، لاسيما في وطننا العربي، لأن من ينتج التخلف يدفع الثمن، والمشكلة أن فرداً أو طبقة هي الحاكمة، بينما الضحايا كثيرون فضلاً عن الدمار وخراب العمران.

لم تقتصر جرائم طاغية العراق صدام حسين على قتل الناس، وهدر الأموال، ولكنها امتدت لتشمل تدمير الزراعة، والمياه، وتشريد العلماء، والسؤال: كيف استطاع شخص واحد أن يفعل ذلك كله؟ هذا نهج سار عليه طغاة آخرون في التاريخ، أصيبوا بجنون العظمة، استفاد منه القادمون الجدد من الطغاة. وقد وضعت الشعوب الناهضة والمتقدمة حداً للطغيان بالحكم المدني والتطبيق الديمقراطي، لكن يبدو أن بيننا وبين دخول ذلك المعترك بوناً شاسعاً، لأنه يمكن قراءة المستقبل القريب من إرهاصات الحاضر التي تمد جذورها عميقاً في الماضي بالتقليد على حساب التجديد.

ويبقى السؤال: إذا كان الطاغية يتمتع بغباء سياسي فهل مؤيدوه جميعهم كذلك، أم أن هناك أسباباً لاستشراء الطغيان؟ يبدو أن المخابرات الدولية أو لعبة مصالح الدول قد ساهمت في صناعة الطغاة كي تحقق مصالحها، ولم يفكر أحد من أولئك الطغاة في دخول التاريخ من بوابة العظماء، إذ كيف تطلب من طاغية أن يكون كذلك؟!

إن تكوين الطاغية يستند إلى تربية وثقافة من نوع ما، فتربية صدام حسين نتركها لمن يعرفها، ولكن ثقافته الحزبية السياسية دكتاتورية سارت عكس مبادئ حزب البعث، وشوه أمثاله هذه المبادئ، ولذلك سقط مع سقوط الأيديولوجيات، فقد فرق حزب البعث سورية والعراق ودمرهما، وأهدر إمكانياتهما ومقوماتهما، في الوقت الذي كان يمكن للعراق أن يكون أفضل من اليابان، لكن الطاغية ومناصريه من الطغاة ارتكبوا جرائمهم، وتركوا شعوبهم ضحية تضمد جراحها عقوداً من الزمن، في حين عادت الكويت، وهي تحتاج إلى دراسة هذه التجربة للاستفادة من دروسها، مع الحذر من إبراز الطاغية تاريخياً لأن المصلحين أولى منه بذلك.

back to top