فتحية دبش: بعثرتُ نفسي في رواية «ميلانين»

أصدرتها أخيراً بعد «صمت النواقيس» و«رقصة النار»

نشر في 04-08-2019
آخر تحديث 04-08-2019 | 00:01
الأديبة والناقدة التونسية فتحية دبش
الأديبة والناقدة التونسية فتحية دبش
ما بين تونس وفرنسا رحلة إبداعية قطعتها الأديبة والناقدة التونسية فتحية دبش، أوصلت خلالها صوتها الإبداعي إلى مختلف البلدان العربية والأوربية، عبر كتابات تحمل معاناة الضعفاء والمقموعين، وضحايا القهر والمرض، داعمة لقضايا المرأة في العالم، في سرد شائق ولغة سلسة ضمتها أعمالها القصصية والروائية والنقدية، صانعة لنفسها عالماً جمالياً يطوي المسافات.
وفي حوارها لـ«الجريدة» تتحدث دبش عن هذه الرحلة وأحدث أعمالها، رواية «ميلانين» الصادرة هذا العام عن دار ديوان العرب بمصر.
• البدايات المبكرة كانت مع الشعر وانتهت إلى السرد.. كيف؟

- «في البدء كان الشعر»، ولعل الروح تكتب قبل العقل، فتنزع في كتابتها نحو الوجدانية والغنائية والموسيقى والرقص، فيكون الشعر هو الكلام الأول، يعبر عنا ويعلو بنا عن السفلي إلى العلوي، ثم تتعالق الروح بالعقل وقد تشابكت معارفه وتعددت مساءلاته، فيتدخل السرد وتبدأ رحلة أخرى، رحلة المساءلة والإشكاليات الكبرى، والمباحثات في المبنى والمعنى، وليس هناك تفاضلية بين الشعر والسرد، بل هناك تقاطعات بينهما، ويتسع الشعر لما يضيق به السرد والعكس صحيح.

• إلى أي مدرسة تميلين أو تنتمين؟

- لا أعتقد أن الكاتب يعتني بأي مدرسة سينتمي إليها، فهو خليط من التراكمات والتوجهات والمدارس الأدبية، وللإجابة عن السؤال أقول إنني أشرب من كل كأس حسب المقام والثيمة، ويبقى تحديد المدرسة الأدبية أمرا ثانويا جدا بالنسبة لي.

تمرين مستمر

• كتبت الشعر والقصة القصيرة والقصيرة جدا قبل الرواية... هل الفصل بين الأجناس ضرورة عند الكتابة؟

- الكتابة هي تمرين مستمر، وعملية صيانة وترميم ولياقة تعبيرية، ولذلك أعتقد أن تنوع الأجناس مهم جدا في البدايات خاصة، مهم من ناحية التعرف على ضوابط كل جنس أدبي ومعرفة اشتغالاته، ومنه يخلص الكاتب إلى الجنس الذي يتسع له ويحتفي مشاغله الفكرية ويحتضنها. أما عن ضرورة الفصل بين الأجناس لكتابة الرواية من عدمها، فالجواب طبعاً من وجهة نظري هو: لا، فعند مراودة الكتابة، على الكاتب أن يدرك ضوابط النوع والأنواع الأخرى، ولكنه يستفيد من كل الأنواع الأدبية لكتابة نوع واحد مثلا، فكتابة الرواية تفيد من الأنواع الأخرى، وهي تنزع اليوم إلى تلاقي الأنواع وكسر الحدود بينها في المنجز الروائي.

كسر القوالب

• مجموعتك «صمت النواقيس»، حدثينا عنها؟

- «صمت النواقيس»، مجموعة هجينة بين القص والخاطر، صدرت بمصر عن دار تطوير للنشر والتوزيع، سنة 2018، وكان حفل توقيعها على هامش معرض القاهرة الدولي للكتاب 2018، ثم توقيع آخر بمسقط رأسي تونس، أما في أكتوبر 2018، فقد احتفي بها في نادي توفيق بكار للسرد بتونس العاصمة، بإشراف

د. مصطفى المدائني، وبصالون الزوراء بسوسة، بإشراف الأديبة صفية قم بن عبد الجليل، وكتب عنها د. يوسف حطيني، والناقد مراد ساسي والأديبة حسيبة صنديد قنوني وغيرهم.

وهذه المجموعة سعيت فيها إلى كسر القوالب، فلم ألتزم بالحدود النوعية، وكان جل اهتمامي منصبا على الفكرة. وأعتقد أن الحركة الإبداعية اليوم تتجه بشدة إلى اختراق الأنواع، رغم أن النقد العربي لا يزال يلعب دور سدنة النوع، وعالجت فيها قضايا المهمشين: المرأة، أطفال الشوارع، سجناء الفكر، التحرش وقضايا الإرهاب.

• وماذا عن «رقصة النار»؟

- «رقصة النار» هي مجموعة قصصية قصيرة جدا، باكورة إنتاجي، صدرت عن دار الثقافية للنشر بتونس سنة 2017، واحتفى بها صالون الزوراء مع شقيقتها «صمت النواقيس»، كما ذكرت سابقا، وهي مجموعة عاشقة، التزمت فيها بالنوع القصصي القصير جدا، عشقا لهذا النوع الذي تضيق مساحاته البنائية وتتسع بلا حد مساحاته المعنوية.

حياة الكاتب

• روايتك الأخيرة «ميلانين» تحمل جانبا من سيرتك الذاتية، هل ثمة علاقة بين كتاباتك وحياتك الشخصية؟

- كتاباتنا تشبهنا، لكنها ليست بالضرورة صورة ولا تجسيدا لحيواتنا الشخصية.

ولا بد من الوعي أن الكاتب يكتب القضايا التي تشغله بوصفها إشكاليات لا بوصفها بوحاً.

وإذا سلمنا بالعلاقة بين الكتابة وحياة الكاتب فسنتساءل: كيف يكتب الذين يعيشون حياة هادئة، كل شيء فيها مرتب، والإجابة ستكون أن الكاتب لا يكتب بالضرورة حياته الشخصية إلا إذا كانت كتابة سيرية.

وعلى خلاف «رقصة النار» و«صمت النواقيس»، إذ كتبت عن بعض القضايا العامة؛ فإنني في روايتي «ميلانين» الصادرة عن دار ديوان العرب للنشر والتوزيع، مزجت بين السيرة والتخيل، فقد بعثرت نفسي كما أراني بمشاغلي وانشغالاتي بين شخوص الرواية، والإشكاليات التي طرحتها هي إشكالياتي، التي تتمركز خاصة حول ثيمة الهوية المركبة، أنا التونسية المهاجرة إلى فرنسا، بل وصارت تحمل جنسيتين وهوية ثالثة، التونسية السوداء أو السوداء التونسية، المتحدثة بالفرنسية عمليا وبالعربية إبداعا، الأنثى، الإنسان.

ملتقى الأدب

• ما رأيك بالقصة القصيرة جدا التي بدأت تشهد رواجا عربيا؟

- شاركت في أعمال مؤتمر ملتقى الأدب الوجيز، في بيروت، بدعوة من أسرة الملتقى المتمثلة بشخص الشاعر الناقد أمين الذيب، وكانت مداخلتي حول تقنيات القصة القصيرة جدا، «الققج» هو اختصار للقصة القصيرة جدا، كما أحب أن أسميها، هي كتابة القلق، قلق الكاتب والثيمة والقارئ، وتعيد له مشغله التأويلي، وللكاتب مشغل الأسئلة، فهي الكبيرة في علبة صغيرة.

أسماء معينة

• ما الأسماء التي تأثرت بها أدبياً وأثرت في كتاباتك؟

- هذا السؤال يضيق عادة عن الجواب، تأثرت ولا أزال بالتوحيدي والمعري وكامو وسارتر ومنيف والطيب صالح وحنا مينا والمسعدي والسعداوي، وغيرهم، ولذلك فإن حصر أسماء معينة ظلم للبقية، فكل كاتب قرأت له ترك في بصمة وترك في محاولاتي أثراً.

المرأة المبدعة

• ما الذي تفتقده المرأة المبدعة وينقصها في مجتمعاتنا باعتقادك؟ وهل تفكرين في المحاذير أثناء كتابتك؟

- باعتقادي أن ما ينقص المبدعة في مجتمعاتنا هو أن تقتنع بكونها مبدعة، وأن قدر المبدعين مغاير لقدر الآخرين، ومتى اقتنعت بذلك سوف تتجاوز مسألة الهوية الاجتماعية إلى الهوية الإبداعية، لا تعترف بالحالة الاجتماعية ولا بغيرها من العلب، فالمبدعة حين تكون في محراب الكتابة لا هي ذكر وأنثى وزوجة

وأم وموظفة وربة بيت، هي روح تحاول أن يخاطب قارئا ما، وعقل يحاول أن يثير قضية ما.

وحالياً أعتقد أن المبدعات العربيات اللواتي وصلن إلى هذا المصاف قلة قليلة جدا، وأرى نوال السعداوي خير نموذج، لأنها جابهت إكراهات الواقع وكتبت ما كتبت، ولذلك هي من بين اللواتي يثار حولهن الجدل إلى الآن

وسيستمر، لكن بالنسبة لي أحاول ألا أفكر بالمحاذير، ولكنني لم أنجح بعد في قول كل ما أريد قوله.

ميزان الإبداع

تقول دبش: «لا شك في أن الجوائز محفز بالمطلق، ولكنها تتنوع بتنوع أهدافها وتوجهاتها، وبالتالي لا أعتقدها ميزان الإبداع، ثم إن تقييم المنجز الإبداعي هو محض محاولة، لأن الإبداع لا يُقاس، فالجوائز ليست شمولية التقييم، إذ قد ينال منجَزٌ ما جائزة ما دون أن يحظى بقبول كل القراء، وقد لا يستوفي شروط الإبداع».

لابد من الوعي بأن الكاتب يكتب القضايا التي تشغله
back to top