سياسة جونسون تبرز طرق اختياره لتشكيلة حكومته

نشر في 02-08-2019
آخر تحديث 02-08-2019 | 00:00
بوريس جونسون و تيريزا ماي و جيريمي هنت
بوريس جونسون و تيريزا ماي و جيريمي هنت
بعد ثلاث سنوات من المراوغة والضعف على المسرح الدولي، وهي السمة التي ميزت عهد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، يبدو أن جونسون عقد العزم على طرح صورة جديدة ومغايرة لحكومته.
أبرزت التغيرات الدراماتيكية في الجهاز الحكومي الذي اختاره رئيس الوزراء البريطاني الجديد بوريس جونسون ما اعتبر من قبل الكثير من المراقبين والمحللين رسالة واضحة وقاطعة ولا رجوع عنها إلى الدول الخارجية بأن هذه الحكومة تهدف الى تحقيق الأعمال بصورة جدية تماماً.

وبعد ثلاث سنوات من المراوغة والضعف على المسرح الدولي، وهي السمة التي ميزت عهد رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي، يبدو أن جونسون قد عقد العزم على طرح صورة جديدة ومغايرة لحكومته.

وفيما وصفه بعض المعلقين في العاصمة لندن بأنه «مجزرة يوم صيف» قدم 17 وزيراً بريطانياً استقالاتهم مباشرة بعد عودة جونسون من قصر باكنغهام بعد ظهر يوم الأربعاء، عندما أعلن قبوله طلب الملكة اليزابيث منه تشكيل الحكومة البريطانية الجديدة.

والبعض، مثل وزير الخارجية السابق جيريمي هنت، الذي حل في المركز الثاني في سباق الانتخابات اختار الاستقالة بعد أن عرض عليه منصب أقل أهمية تمثل في وزارة الدفاع، كما تم استبعاد وزيرة الدفاع بيني وردونت التي لم تحقق أي تقدم خلال تسلمها منصبها طوال 85 يوماً.

وعمد جونسون الى تعيين وزراء بدلاً منهم كانوا من المقربين الموالين الملتزمين بالخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست) والذين يعتقد جونسون أنهم سوف يقدمون إليه دعمهم الكامل، وهو يحاول القيام بعمله الصعب الهادف الى إتمام انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في موعد أقصاه 31 أكتوبر المقبل – باتفاق أو بدونه.

أهمية «بريكست»

وبينما سيشكل انجاز خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي أولوية قصوى بالنسبة الى حكومة جونسون في المستقبل القريب فإن اختيار الكثير من الوزراء الرئيسيين من يمين الوسط يحتمل أن ينطوي أيضاً على تأثير عميق على تعامل بريطانيا مع الدول الاخرى وخاصة الولايات المتحدة.

وكان جونسون الذي تمتع باهتمام وسائل الاعلام قبل دخوله الى 10 داوننغ ستريت قد طور علاقات وثيقة مع دونالد ترامب الذي مضى الى حد مقارنته بنفسه، ومشيراً الى أن هناك من يقول إن جونسون «هو ترامب بريطانيا».

ومن هذا المنطلق فإن التوقعات تشير الى أن الدفء الحقيقي القائم بين ترامب وجونسون سوف يفضي الى تعاون أوثق بين واشنطن ولندن في طائفة واسعة من القضايا التي تشمل التجارة وحتى الأمن العالمي وهو ما يمثل تغيراً لافتاً عن العلاقة الباردة التي سادت بين ترامب ورئيسة الوزراء السابقة تيريزا ماي.

وقد توضح ذلك بجلاء من خلال اللغة المسيئة التي استخدمها كيم دارويش السفير البريطاني السابق الى واشنطن الذي وصف البيت الأبيض في عهد ترامب بأنه «معطل» وأن قرار ادارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع ايران كان «تخريباً دبلوماسياً» هدف الى تشويه صورة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.

التوتر في الخليج

كان تردد بريطانيا في التعاون بصورة تامة مع الولايات المتحدة واضحاً جداً من خلال رد لندن على التصعيد الأخير في التوتر في منطقة الخليج العربي والذي أسفر عن احتجاز ناقلة النفط البريطانية ستينا امبيرو من قبل قوات الحرس الثوري في ايران واقتيادها الى ميناء بندر عباس الايراني.

وتجدر الإشارة إلى أن السبب الأساسي وراء السماح بحدوث هذا التطور يتمثل في رفض الحكومة البريطانية عرضاً من الإدارة الأميركية لتوفير مساعدة لحماية السفن البريطانية في منطقة الخليج، رغم التحذيرات العلنية من جانب إيران بأنها سوف تقوم بعملٍ ما، رداً على احتجاز ناقلة نفط تحمل نفطاً الى سورية في مضيق جبل طارق.

وسبق لوزير الدفاع الجديد بن والاس أن اتخذ موقفاً متشدداً من مجموعات الارهاب الديني، كما كانت السيدة ماي وجيريمي هنت يعتقدان أن التعاون مع الولايات المتحدة التي تحاول في الوقت الراهن تشكيل ائتلاف دولي من أجل حماية الملاحة في الخليج العربي من هجمات محتملة من قوارب مسلحة ايرانية سوف يلحق المزيد من الضرر باتفاق ايران النووي الذي يحظى، على الرغم من قرار ترامب انسحاب بلاده منه، بدعم بريطانيا وعدة دول أوروبية موقعة عليه.

وهكذا، وبدلاً من الانضمام الى قوى الحلفاء التقليديين في الولايات المتحدة طرح السيد هنت، في واحد من آخر تصرفاته كوزير للخارجية، اقتراحاً غريباً ومثيراً للجدل تمثل في الدعوة الى تشكيل «مهمة بحرية أوروبية» للعمل على تحسين الترتيبات الأمنية المتعلقة بالملاحة في مياه الخليج العربي.

ونظراً لأن فرنسا هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي يمكن أن تشكل أي مساهمة ذات معنى لدعم البحرية الملكية البريطانية فإن الفكرة محكومة بالفشل منذ البداية، لاسيما مع اقتراب الموعد النهائي لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بصورة سريعة وهو ما تصبح معه دول أوروبية رئيسية مثل فرنسا وألمانيا غير مهتمة بإخراج بريطانيا من مأزقها.

دور البحرية الأميركية

والأكثر من ذلك لا توجد فائدة عملية بالنسبة الى الأوروبيين من تشكيل قوتهم البحرية الخاصة للقيام بدوريات مع وجود القوات البحرية الأميركية القوية المتمثلة في حاملة طائرات تعمل في المنطقة وهذه القوات أكثر من قادرة على التعامل مع أي تهديدات من جانب الحرس الثوري الايراني.

ونحن نأمل أن ينتهي التفكير الذي ساد في عهد تيريزا ماي بشأن اقامة علاقة عمل مع ادارة الرئيس ترامب خصوصا أن رئيس الوزراء البريطاني الجديد قد وافق على تشكيلة الحكومة.

ومن المؤكد أن تعيين الوزيرين الرئيسيين المسؤولين عن مستقبل الأمن القومي البريطاني في المستقبل يشير الى أن بريطانيا سوف تتخذ خطوة أكثر قوة وثباتاً ازاء التحديات العالمية الأمنية مثل ايران وبقدر يفوق ما شهدناه في عهد تيريزا ماي.

والسيد دومينيك راب وهو وزير الخارجية البريطاني الجديد الذي خدم لفترة قصيرة وزيراً لبريكست في حكومة ماي هو أحد الأعضاء المتشددين في الحكومة الجديدة وهو ابن لاجئ تشيكي يهودي تمكن من الهرب من النازية في عام 1938 وسبق لراب أن عمل محامياً في وزارة الخارجية حيث ساعد على مقاضاة مجرمي الحرب وقدم النصح والمشورة حول المفاوضات بين العرب والاسرائيليين.

وفي غضون ذلك نذكر أن بن والاس وهو وزير الدفاع الجديد كان ضابطاً في قوات الحرس الاسكتلندي اشتهر بتشدده مع المجموعات المتطرفة مثل «حزب الله».

ومع وجود رجال سياسة من هذه النوعية في مراكز رئيسية في حكومة جونسون الجديدة يمكننا أن نتوقع دوراً أكثر تأثيراً لبريطانيا على المسرح الدولي وبقدر يفوق ما شهدناه في عهد تيريزا ماي.

وزير الخارجية السابق جيريمي هنت اختار الاستقالة بعدما عُرِض عليه منصب أقل أهمية تمثل في وزارة الدفاع
back to top