عِبر وحِكم مرحلة المرض والعلاج

نشر في 31-07-2019
آخر تحديث 31-07-2019 | 00:20
 محمد المقاطع أنعم الله علينا بنعم عديدة ووفيرة؛ (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) صدق الله العظيم. إلا أننا لا ندرك ما منّ الله به علينا من نعم، ولا نشعر بها، رغم افتقاد كثير من الناس بعض تلك النعم، فالدين نعمة، والهداية والأمن نعمة، والرزق نعمة، والحياة نعمة، والنوم نعمة، والصلاة نعمة، وعبادة الله نعمة، وذكر الله نعمة، والعمل نعمة والزواج نعمة، والأولاد نعمة، وغيرها الكثير مما نعيشه ونتمتع به كل يوم، ولكننا لا نُثمّنها ولا نديم الشكر عليها.

والصحة والعافية وخلو البدن من الأمراض والأسقام نعمة عظيمة، لا نشعر بها ولا ندركها، بكل أسف، إلا عند افتقادها، فالمرضى هم من يشعرون بذلك، وبعظم قدر نعمة الصحة والعافية، فقد قال صلى الله عليه وسلم "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا".

لقد أراد الله جل شأنه أن يختبرني، فابتلاني في عام ٢٠١٤ بمرض نادر اسمه "أميلويدوزيس Amyloidosis"، وهو مرض نادر يصيب ما يقارب ٨ من كل مليون شخص، وهو مرض ينتمي إلى مجموعة من أمراض "سرطان الدم"، رغم أنه لا يتطابق معها، يورث خللاً في النخاع الشوكي، وتتولد تبعاً له خلايا دم مريضة ومصابة به، ثم بعد ميلادها تفرز كميات عالية من البروتين وصلت في حالتي إلى خمسين ضعفاً للإنسان الطبيعي، مما يحول بين أجهزة الجسم وبين إمكانياتها وقدراتها في التخلص منه وتفتيته مع الفضلات، فيبحث البروتين عن مكان في الجسم يترسب فيه، وتزداد كميته في الجسم كل يوم، وفِي حالتي فإنه ترسّب في كليتيّ حتى غمرهما، فسبّب اختلالاً جسيماً في أدائهما وخلف آثاراً جانبية عديدة، لا مجال للتوسع في ذكرها، فالحمدلله رب العالمين على هذا الابتلاء، وهو -أي الابتلاء- نعمة لاختبار حسن الظن بالله والتوكل عليه، والصبر والاحتساب، ولا أزال أعاني هذا المرض، ولا أزال مستمراً في علاجه، وقد تدهورت كليتاي يوماً بعد الآخر حتى وصلت لحافة الفشل الكلوي الكامل، ومنذ عام ٢٠١٤ وحتى اليوم أُخضعت لفحوصات واختبارات مخبرية وإشعاعية عديدة، وبدأت العلاج بالكيماوي، ولا أزال مستمراً فيه، وما أدراك ما يعنيه العلاج بالكيماوي وآثاره! فهو بحد ذاته ابتلاء آخر، والحمدلله على كل حال، ولكن بفضل الله ومنته كل يوم تتجدد لدي الثقة بالله والتفاؤل بالشفاء، وبأن القادم أفضل، وأن كل ما كتبه الله لي خير، وقد ترتب على إصابتي بهذا المرض وطبيعة فترة علاجي له وطولها أن تَغيّر مجرى حياتي، في نومي وأكلي وشربي والكثير من سلوكياتي الحياتية، وأهمها علاقتي بربي وعبادتي له، وشعرت كم أنا مقصر بحقوق ربي وعباداتي، والكثير من أعمال التقرب إليه، واكتشفت خلال فترة المرض والعلاج، وما أزال، الكثير من الدروس والعبر التي هي مفيدة لي وأرغب في نقلها إليكم، عبر سلسلة مقالات، لتجربة أحسبها تستحق التوثيق والقراءة.

العبرة الأولى

القرب من الله والثقة بما كتبه لك، وأن ما أصابك ما كان ليخطئك، واستذكرت تقصيري معه بقلة ذكره وشكره على نعمه العديدة، وفِي مقدمتها الصحة التي افتقدتها، فيزيد تقربي إليه.

وللحديث تتمة

back to top