هل يفسد الديمقراطيون الأمر؟

نشر في 15-07-2019
آخر تحديث 15-07-2019 | 00:00
تتمثل إحدى المعضلات الكبرى بمسابقة الترشح للرئاسة من جانب الحزب الديمقراطي في كونها اختبارا لاثنتين من السمات المهمة: أي مرشح يمكنه التغلب على ترامب؟ وأيهم يعرض البرنامج الأكثر جاذبية للناخبين الأساسيين؟ وكلتا السمتين ليست كالأخرى.
 بروجيكت سنديكيت أدى العدد الكبير غير المسبوق من المرشحين- 25 في آخر إحصاء- المتسابقين على اختيار الحزب الديمقراطي لواحد منهم لتحدي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في عام 2020 إلى افتتاح مربك للمنافسة، سوف يتناقص عدد المتنافسين مع إحكام اشتراطات التأهل للمشاركة في المناظرات الحزبية، وخصوصا في سبتمبر، ونفاد المال المتاح لبعض المتسابقين. الواقع أن بعض المتسابقين يدركون أنهم لن يحظوا بأي فرصة حقيقية للفوز، لكنهم يأملون أن يتمكنوا بفضل اتساع شهرتهم من الفوز بمنصب في مجلس الوزراء، أو صفقات مربحة لتأليف الكتب، أو رسوم أعلى لإلقاء المحاضرات.

افترض أغلب المراقبين السياسيين المخضرمين أن الديمقراطيين يمكنهم إلحاق الهزيمة بترامب ما لم يميلوا كثيرا باتجاه اليسار، وهذا يعني تحويل مسار أولئك الذين ساندوا باراك أوباما ثم ترامب، بمن في ذلك المنتمون إلى فئة العمال وساكني الضواحي الذين حسموا نتيجة انتخابات 2016. مرت لحظات عديدة في كلا المناظرتين عندما كان بوسع المرء أن يتخيل ترامب وهو يبتسم، والآن يشعر كثير من الديمقراطيين بالحزن والاكتئاب.

المشكلة من منظور الديمقراطيين، وخصوصا في هذه الدورة الانتخابية، هي أن الناخبين في المسابقات الأولية (في كلا الحزبين) يميلون إلى اتخاذ مواقف أشد تطرفا من مواقف الحزبين ككل. بدأ تحول الديمقراطيين مؤخرا نحو اليسار بتحدي 2016 من قِبَل بيرني ساندرز- الذي يطلق على نفسه وصف "الاشتراكي الديمقراطي" ولا يعتبر نفسه عضوا في الحزب الديمقراطي- لترشح هيلاري كلينتون المفترض، وكاد ساندرز، بما يتمتع به من جاذبية كمتمرد ووعوده غير الواقعية (فضلا عن نقاط ضعف كلينتون) يتمكن من إلغاء ترشيحها، وقد وجد فيه الشباب بشكل خاص شخصية مثيرة مناهضة للمؤسسة.

كانت السيناتور إليزابيث وارين تشهد ارتفاعا في استطلاعات الرأي حتى قبل المناظرات، لكن أجندتها السياسية الواسعة تمثل قفزة إلى الأمام في ما يتصل بتدخل الحكومة في الاقتصاد وغير ذلك من الترتيبات المحلية؛ ويبلغ مجموع تكلفتها تريليونات الدولارات، دون تقديم شرح واضح لكيفية تغطية هذه التكاليف؛ ومن غير المرجح أن تلقى الموافقة في الكونغرس (حتى إذا استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس الشيوخ). لم ينل منها أي من هذا، لكن عندما تصبح واحدة من أفضل مرشحين أو ثلاثة (مع حصولها على بعض الدعم من ساندرز)، فمن المحتمل أن تنكشف نقاط الضعف هذه.

تتحلى كامالا هاريس، المولودة لأبوين مهنيين من جامايكا والهند، بقدر أكبر من الحذر مقارنة بوارين، وفي بعض الحالات كانت مواقفها- على سبيل المثال، حول ما إذا كان من الواجب إلغاء التأمين الصحي الخاص- متناقضة، وقد بنت سمعتها على شغلها مناصب الادعاء والنيابة العامة في كاليفورنيا، وعلى فوزها بالاهتمام الوطني عندما استخدمت مهارات النيابة العامة التي تتمتع بها في جلسات الاستماع، وإن لم يكن ذلك على نحو منصف دائما. عندما عملت في الادعاء في كاليفورنيا كانت تقدمية جزئيا، لكنها طالبت أيضا بعقوبات قاسية وأبقت على بعض الأبرياء محبوسين.

في الثانية من الزوج الأول من المناظرات الديمقراطية، سرقت هاريس الأضواء من خلال مهاجمة نائب الرئيس السابق جون بايدن، الذي كان عند تلك النقطة المرشح الأول، في استحضارها لجدال من سبعينيات القرن العشرين، أشارت هاريس إلى أن السيناتور السابق من ديلاوير عارَض استخدام الحافلات بتكليف من الحكومة الفدرالية من أجل تحقيق قدر أكبر من التكامل العرقي بين المدارس، وقد أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب في أوائل سبعينيات القرن العشرين أن 4% فقط من ذوي البشرة البيضاء ونحو 9% من الأميركيين من أصول إفريقية يؤيدون البرنامج الذي أثار قدرا كبيرا من الجدال.

الواقع أن هاريس، التي شاركت كطفلة في برنامج الحافلات (وإن كان برنامجا طوعيا في بيركلي بكاليفورنيا)، جمعت بين هذا الهجوم والإعلان عن أذى شخصي من ذكريات بايدن غير البارعة العامرة بالحنين إلى الماضي والتي نشرها مؤخرا عن العمل مع اثنين من كبار أنصار الفصل العنصري في مجلس الشيوخ لتمرير بعض مشاريع القوانين قبل عقود من الزمن. (كل منهما شغل مناصب رفيعة في مجلس الشيوخ ولم يكن من غير المألوف أن يعمل معهم ديمقراطيون من أنصار الحقوق المدنية، وإن كان بايدن اختار أمثلة أقل ضراوة لتوضيح وجهة نظره).

سعت هاريس إلى تقويض الدعم القوي الذي يحظى به بايدن بين الأميركيين من أصول إفريقية، والذي أعين بفضل ثماني سنوات عملها كنائب للرئيس باراك أوباما. لم يكن بايدن مستعدا للهجوم فتعثر في رده، فقد أكد على سجله القوي في تأييد الحقوق المدنية، ثم بعد بضعة أسابيع اعتذر لكونه ظهر وكأنه يتغاضى عن مواقف هذين العضوين من أنصار الفصل العنصري في مجلس الشيوخ، وقد تبين أن موقف هاريس الحالي من قضية الحافلات لا يختلف كثيرا عن موقف بايدن، لكن هجومها كان كافيا لقذفها إلى قمة استطلاعات الرأي.

ويُعَد اهتمام الصحافة بعد ذلك بهجوم هاريس المخطط له لفترة طويلة على بايدن- المواجهات والتعليقات اللاذعة (التي جرى التدريب عليها بوضوح) التي تصلح للتلفزيون- مثالا على العيب الذي يشوب هذه "المناظرات" كأداة الاختيار مرشح.

الواقع أن انحدار ساندرز مؤخرا في استطلاعات الرأي- والذي يأتي خلف هاريس ووارين في بعض استطلاعات الرأي، وكذلك خلف بايدن- يمكن أن يُعزى إلى حقيقة مفادها أن أداءه لم يعد جديدا، فهو لا يزال يطنب في الوعود ويقصر في التفاصيل، ولا يزال مشاكسا صخابا، لكن ساندرز لم يعد في الأساس المتمرد الوحيد الذي يتحدى شخصية مؤسسية أصلية.

بيد أن بايدن يعاني أعظم المشاكل، فقبل المناظرات الأولى، كان متفوقا بنحو 20 نقطة فوق منافسيه، ورغم أن هذا ربما كان راجعا إلى حد كبير إلى شهرته الأوسع وقربه الواضح من أوباما (الذي يظل محايدا بحذر)، فقد تصادف أنه مستغرق في الحنين إلى الماضي. ويبدو أنه لا يدرك إلى أي مدى تغيرت السياسة الأميركية عندما يتعلق الأمر بالحزبية المفرطة منذ أن كان في مجلس الشيوخ، وقبل أن يتحول الحزب الجمهوري إلى اليمين ويصبح معرقلا صريحا للعمل السياسي.

علاوة على ذلك، لم يكن بايدن بارعا قط في إدارة الحملات الانتخابية لمنصب الرئيس، فقد فشل مرتين. وسوف يبلغ السابعة والسبعين من عمره في نوفمبر (أكبر من ترامب بنحو ثلاث سنوات)، وسيبلغ الثمانين أثناء ولايته الأولى، مما يجعله أكبر رئيس أميركي على الإطلاق.

يظل لدينا مرشحان ديمقراطيان آخران معقولان أو ثلاثة. في الوقت الحالي، ربما بدأ بيت بوتيغيغ، الحكيم الخارق للعادة في سن السابعة والثلاثين وعمدة ساوث بِند في إنديانا، والرجل المثلي الذي تطوع للخدمة في أفغانستان، يفقد بعض سحره.

حظي "العمدة بيت" بربيع رائع، وهو لا يزال محبوبا بين العديد من المانحين الديمقراطيين. ولكن قبل المناظرة مباشرة، كان عليه أن يواجه قضية تقض مضاجع المسؤولين في المدن والبلدات في مختلف أرجاء البلاد: فمؤخرا أقدم شرطي من ذوي البشرة البيضاء في ساوث بِند على إطلاق النار على رجل أعزل من ذوي البشرة السمراء فأرداه قتيلا. وفي المناظرة، بدا أن القضية تثقل كاهله، وسيجد نفسه في مشكلة حقيقية لو لم يتمكن من اجتذاب الدعم من الأميركيين من ذوي الأصول الإفريقية، وهي مشكلة تؤرقه منذ أصدر قرارا، عندما كان عمدة جديدا، بفصل أول رئيس شرطة أسمر البشرة في ساوث بِند.

باختتام أول زوج من المناظرات، ذهب العديد من المرشحين الديمقراطيين إلى تأييد مقترحات يسارية مثيرة للجدال مثل الرعاية الصحية (ميديكير) للجميع، والتي قد تعني نهاية التأمين الصحي الخاص وزيادة الضرائب؛ وإلغاء تجريم الهجرة غير الموثقة؛ وتغطية المهاجرين غير الموثقين في خطط الرعاية الصحية الحكومية؛ والحافلات المدرسية.

تتمثل إحدى المعضلات الكبرى بمسابقة الترشح للرئاسة من جانب الحزب الديمقراطي في كونها اختبارا لاثنتين من السمات المهمة: فأي مرشح يمكنه التغلب على ترامب، وأيهم يعرض البرنامج الأكثر جاذبية للناخبين الأساسيين، وكلتا السمتين ليست كالأخرى.

* صحافية مقيمة في واشنطن، ومؤلفة كتاب "يوميات واشنطن: تقرير ووترغيت وسقوط ريتشارد نيكسون".

«إليزابيث درو»

المشكلة من منظور الديمقراطيين هي أن الناخبين في المسابقات الأولية يميلون إلى اتخاذ مواقف أشد تطرفاً من مواقف الحزبين ككل
back to top