ماذا يحدث إذا انسحبت الولايات المتحدة من «الناتو»؟

نشر في 12-07-2019
آخر تحديث 12-07-2019 | 00:00
غاريد كوشنر  - أنجيلا ميركل
غاريد كوشنر - أنجيلا ميركل
قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريدة بعث بها حين كان يشاهد برنامجه الصباحي المفضل «فوكس والأصدقاء» إن أوروبا «لن تحصل على أي مساعدة عسكرية أميركية إذا توقفت عن شراء فول الصويا من الولايات المتحدة. أميركا أولاً»، وقالت المجلة في تكهنات لأحداث المستقبل عن ترامب وأنه تم إرسال هذه التغريدة من قبله وهو الذي أعيد انتخابه بأكثرية ضئيلة في شهر نوفمبر من عام 2020 وتم الإرسال في الخامس من أبريل 2023، حين كان مسؤولون في وزارات خارجية في باريس وبرلين ووارسو يستعدون لتناول طعام الغداء فأحدث لديهم مفاجأة صاعقة.

ولكن على الرغم من ذلك فقد أصبح واضحاً وبسرعة أن تلك التغريدة لم تكن مجرد رمية أخرى من سهام الرئيس الأميركي الذي عمد إلى توجيه تهديدات مماثلة إلى كل دول قمة التحالف الأطلسي، فبعد ساعات من الإعلان عن هذا التهديد بدأت وزارة الخارجية الأميركية بنقل رسائل بهذا الخصوص الى كل سفارات دول التحالف الأطلسي الـ29 في واشنطن، وكانت كل واحدة من تلك الرسائل موقعة من قبل غاريد كوشنر وهو صهر الرئيس ترامب ووزير الخارجية الأميركي.

وشجب الكونغرس بشدة هذا القرار في اليوم التالي، ولكن الرئيس ترامب أوضح أنه سيتجاهل هذا الجهد «غير الدستوري» الهادف الى تغيير قراره السالف الذكر، وقال في اجتماع بحضور كبار جنرالات وزارة الدفاع (البنتاغون) «أنا القائد الأعلى للقوات المسلحة ونحن لن نستمر في تحمل سرقتنا من قبل الآخرين بعد اليوم». وعلى الرغم من أن تقديرات وزارة الدفاع تشير الى أن سحب آخر جندي أميركي من أوروبا سوف يتطلب خمس سنوات على أقل تقدير غير أن ترامب طالب بعودة عشرة آلاف جندي بحلول عيد الشكر في شهر نوفمبر المقبل.

توقعات الحلفاء وحدود الصدمة

لقد سبق لقادة أوروبا أن تخيلوا حدوث هذه الإمكانية ولكن الهزة وقعت في لحظة بالغة الدقة والحساسية، فقبل ثلاثة أشهر فقط – أي في شهر يناير 2023– ومع تصاعد القتال في شرق أوكرانيا أعلن الرئيس الروسي بوتين تشكيل الاتحاد الفدرالي الروسي البيلاروسي وقال بوتين يومها إنه واستجابة للمطالب الشعبية سيستمر في الحكم رئيساً للدولة الجديدة، وبذلك سيحكم لخمس سنوات أخرى بعد انتهاء فترته الحالية في شهر مارس من عام 2024، وقد انطلقت مئات الدبابات الروسية نحو الحدود الغربية الجديدة لهذا الاتحاد وهي تبعد 200 كيلومتر فقط عن حدود وارسو.

وعندما اجتمع قادة أوروبا في بروكسل في قمة طارئة بعد أيام من إعلان الرئيس ترامب الصاعق بدا أن الحل سهل بما فيه الكفاية: سوف تنفصل الدول المتبقية في التحالف وتعيد تشكيل دفاعاتها من دون الولايات المتحدة. وتجدر الاشارة الى أن الاتحاد الأوروبي كان يعد نفسه لمثل هذه الفترة فقد أعلن تأسيس صندوق الدفاع الأوروبي في سنة 2016 وخطة عمليات (بيسكو) لإنتاج الأسلحة المشتركة والتكامل الدفاعي في عام 2017. وسبق لبيسكو أن أطلق الطائرة المسيرة «يورودرون» المتفوقة وأجرت تجارب في منطقة الساحل أيضاً.

وللعلم فإن ذلك لم يكن جيشاً للاتحاد الأوروبي ولكنه بالتأكيد أرسى أرضية لمثل ذلك الجيش. وفي مؤتمر صحافي بعد القمة الطارئة لقادة أوروبا دعت أنجيلا ميركل وهي رئيسة المجلس الأوروبي الى الهدوء وأشارت الى أن الانفاق الجماعي الأوروبي الدفاعي كان أكثر من أربعة أمثال ما تنفقه روسيا، كما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «إن أوروبا عملاق نائم وعلينا ادراك قوتنا الخاصة».

الدروس القاسية

في غضون ذلك وبحلول صيف عام 2023 وبعد عدة أشهر من المشاحنات والخلافات الحادة وافق قادة الاتحاد الأوروبي على تأسيس منظمة المعاهدة الأوروبية ولكن الأهداف العسكرية اليومية أصبحت أكثر صعوبة نتيجة لهذا التطور غير المتوقع، كما تقول معلومات ترددت على نطاق واسع، وكان اللافت أن الدول الأعضاء كانت مترددة في تشاطر المعلومات المتعلقة بالأنشطة الاستخبارية بسبب خوفها من تغلغل قراصنة الحواسيب الروس بقوة في مثل هذه العمليات واختراقهم لشبكات الاتصالات التي صممت من أجل نقل معلومات عن مخصصات الصيد البحري، وليس حول خطط حربية حساسة، ويقال في بروكسل إن مدرسة استخبارات تابعة للاتحاد الأوروبي في نيقوسيا كانت تدار من قبل اليونان وقبرص قد دربت عدداً من الجواسيس الروس يفوق العدد الذي دربته من الأوروبيين.

ثم جاء صراع السلطة والنفوذ كما تجلى من خلال خروج أميركا من قيادة قوات التحالف التي كانت دائماً من نصيب الأميركيين، وكان نائب القائد الأميركي من الجنسية البريطانية بصورة دائمة، أما الآن وقد انسحبت أميركا وتمزقت بريطانيا في ظروف غامضة فأصبحت ألمانيا أكبر دولة في الإنفاق العسكري في القارة ومهيأة للقيادة فعلاً، ووافقت فرنسا ولكن بشرط أن يتم نقل مركز القيادة العسكرية التابع لمنظمة المعاهدة الأوروبية الى مدينة فيرساي في فرنسا والتي كانت المقر الأصلي لقوات الناتو. وحصل جنرالات ايطاليا واسبانيا وبولندا وهولندا على مناصب عسكرية رفيعة ضمن هذه التركيبة الجديدة.

من جهة أخرى واجهت منظمة المعاهدة الأوروبية مشكلة شائكة تمثلت في الفجوة النووية، فانهارت في 2019 معاهدة حظر القوات النووية المتوسطة المدى التي حظرت إنتاج الصواريخ المتوسطة المدى في روسيا وأميركا كما أن معاهدة ستارت الجديدة التي تشمل الصواريخ الأبعد مدى قد تعثرت في عام 2021 بعد أن رفضت روسيا وأميركا تجديدها، وفي غضون ذلك ازدادت وتضخمت ترسانة روسيا من الأسلحة النووية التي تستطيع الوصول الى العواصم الأوروبية خلال دقائق قليلة، وردت الولايات المتحدة على تلك الخطوة بنشر صواريخ تقليدية جديدة في بولندا.

وعلى الرغم من ذلك تخلصت أميركا في شهر مايو من 2023 من تلك الأسلحة إضافة إلى 180 قنبلة نووية تكتيكية كانت تحتفظ بها في أوروبا منذ عقود طويلة، وتم الإعلان عن نقل تلك الأسلحة بعد أن غادرت آخر قطعة قاعدة بوشيل الجوية في ألمانيا. يومها صرح ستيفن ميلر وهو مستشار الرئيس ترامب لشؤون الأمن القومي أن بلاده «لن تستمر في تعريض نيويورك أو لوس أنجلس لخطر الإبادة لأجل دول أوروبية أثرت سلباً على اقتصادنا الوطني». وقال إن تلك القنابل ستنقل الى كوريا الجنوبية واليابان تقديراً من واشنطن لتوقيع الدولتين اتفاقات تجارية معها في السنة السابقة.

تمزق أوروبا

وقد أفضت تلك التطورات الى تمزق أوروبا، حيث رحبت الحركة المناوئة للأسلحة النووية بخروج أسلحة دمار شامل من القارة، لكن الغضب تملك قادة أوروبا، وكان السؤال الذي طرح حينذاك هو «ماذا لو أن الرئيس الروسي بوتين استغل وجود قواته في بيلاروسيا واقتطع قطعة من بولندا، ثم هدد باستخدام أسلحة نووية اذا ردت منظمة المعاهدة الأوروبية على خطوته؟ لقد أصبحت كوريا الشمالية قادرة بسهولة على الوصول الى كل مدن أوروبا كما أن إيران عمدت الى تجديد برنامجها النووي، وبذلك أضحت القارة عرضة للابتزاز النووي بدرجة خطيرة وبصورة واضحة».

بدائل خاصة

وفي سياق الجهود الرامية الى توفير بدائل لحل هذه الأزمة المستعصية تم طرح اقتراح يدعو الى صنع «قنبلة نووية أوروبية» تقوم اللجنة الأوروبية بتمويل نصف ما يستحق على فرنسا من مساهمة في برنامجها النووي في مقابل مشاطرة الملكية والسيطرة، ويقال إن كارينبور وهو خليفة أنجيلا ميركل المقبل قد أشاد بهذه الفكرة على صعيد شخصي، ولكن الخطة قوبلت برفض سريع من جانب الرئيس الفرنسي ماكرون الذي قال «إن قوة الردع الاستراتيجية الفرنسية ليست للبيع ولا للإيجار»، وعلى الرغم من ذلك وفي قمة احتفالية في الصيف الماضي أضاف أن «فرنسا ستبذل ما في وسعها لحماية أوروبا»، وسارع مساعدوه الى التعبير عن اعتققادهم بأن ذلك كان يشمل الأسلحة النووية.

وكانت الاشاعات ذكرت في وقت سابق أن السويد وبولندا إضافة إلى دول أخرى بدأت العمل بشكل سري على صنع أسلحة نووية خاصة بها.

back to top