دراوشة: القصة القصيرة جداً كائن أدبي مستقل ومتجذر

أكد لـ الجريدة• أنها استلهمت الشعر ووظفته ببراعة وجذبت كبار الكتاب والنقاد

نشر في 09-07-2019
آخر تحديث 09-07-2019 | 00:02
تجتاز تجربة الأديب الفلسطيني الكبير أمين دراوشة (49 عاماً) حدود المألوف والمتوقع، فمن واقع الأسوار العاتية التي تُسيِّج حياته كإنسان فلسطيني يتجرع مرارة الاحتلال، استطاع أن يصنع المجد بقلمه ويُكرِّس الوجود الفلسطيني بلغة فريدة لا يقدر عليها سوى من يمتلك أدوات الإبداع.
وفي حوار أجرته معه «الجريدة»، قال دراوشة الذي يكتب الشعر والقصة القصيرة جداً، ويمارس النقد الأدبي باحترافيةِ ناقد حاذق إن قراءة المنتج الإسرائيلي أصبحت واجباً للتعرف على وسائل الصمود ومقاومة الاقتلاع الذي ينتهجه الكيان المحتل... وفيما يلي نص الحوار:
• كفلسطيني، كيف انعكس التنوع البيئي والثقافي على إبداعك؟

- لاشك أن الحياة سنوات في بعض الدول، تمد الإنسان بالتجارب، فالحياة في الأردن التي أنهيتُ فيها تعليمي المدرسي، كان لها دور في تشكيل وعيي، فعشت في مدينة كبيرة وفقيرة، وتعرفتُ منذ صغري على مكابدة الإنسان وكدحه في سبيل العيش في أبسط صوره، ثم سافرت إلى الجزائر، وأكملت دراستي الجامعية، وهناك ازداد وعيي، لأن الفرصة أُتيحت لي لأغرق في الكتب التي كانت متوافرة، ويبدو أنني كنت أمتلك موهبة الكتابة، التي بقيت تحثني على إخراجها، وكان لتجارب الحياة في الأردن والجزائر، مع القراءة النهمة، أن صقلت تجربتي وكتبت بعض الخواطر وأنا في الجزائر، وعندما عدتُ للأردن استطعت أن أكتب أول قصة مكتملة فنياً.

عدتُ إلى فلسطين، فازدادت تجربتي غنى ومرارة، فأنجزت العديد من المؤلفات، فتجربة الحياة تحت الاحتلال تجربة مليئة بالقلق والكوابيس والآمال المجهضة، حالياً أتابع دراستي في المغرب، وهو المشهور بالدراسات النقدية فازدادت تجربتي الكتابية ثراءً، وإن الظروف التي تحيا فيها الشعوب العربية متشابهة إلى حد ما، ومن الأحياء الفقيرة في الأردن والجزائر وفلسطين والمغرب تخرج أحلى الأغاني.

الرواية والمسرح

• ما أهمية قراءة الباحث العربي لهذا النوع من الأدب؟

-الرواية والمسرح وسائل ثقافية تُعبِّر عن الواقع، وتقوم بتصويره، ولها القدرة على معرفة توجهاته وتطلعاته وإن قراءة المنتج الثقافي الإسرائيلي أصبحت واجباً، لمعرفة كيف يفكرون وما هي اتجاهاتهم وسلوكهم.

إن غالبية الكتابات الإسرائيلية تظهر العربي كشبح أو سارق، أو عابر سبيل، غير أن صمود الشعب الفلسطيني على أرضه رغم كل الظلم الواقع عليه، فرض على الرواية الحديثة إظهار الفلسطيني كشخصية فاعلة رغم ما تحمله من صفات سيئة يطلقها.

• القصة القصيرة جداً جزءٌ من مشروعك الأدبي والنقدي هل لصعوبة كتابتها أم بسبب عدم اعتياد القارئ العربي عليها؟

- أختلف معك، فالقصة القصيرة جداً، ولدت وانتهى الأمر، واستفادت من تقنيات القصة القصيرة، واستلهمت الشعر ووظفته بطريقة بارعة، حيث برز الكثير من الكتّاب الذين أتقنوا كتابتها وساهموا في سرعة انتشارها. وكان لقصرها وحيويتها وعمقها أن شدت كبار الكتاب على الانخراط في كتابتها، وعلى الرغم من ظهور بعض السلبيات نظراً لاستسهال كتابتها من قبل البعض ما أدى إلى ضياع المعايير التي تحكمها، فإن ولوج كبار الكتّاب، وظهور النقاد الذين أيدوا الظاهرة الجديدة، وزودوها بالعديد من الدراسات النقدية، مكّناها من التجذر، وقعود المصطلح، واستقلالها كجنس أدبي معترف به.

أسلوب الإسقاط

• يعكس ديوانك «وخزات الحنين» ابتعادك عن المباشرة، واعتمادك أسلوب الإسقاط، هل هذا ما يشع من قصائدك؟

- ليس الشعر إلا صياغة ساحرة وعذبة لما يختمر في داخلنا، ويعبر عن تجربة إنسانية ذاتية وشاملة، هو رؤية عميقة أداتها اللغة، وحصانها الخيال، تسافر وتجنح بدلالة اللغة الحقيقية إلى دلالات مبتكرة غير التي وضعت لها بالأصل، وتكون مليئة بالمعاني الجديدة والإشارات والإيحاءات المدهشة. إن الشعر يسعى ليكون وحياً، ولهذا فله الحق أن يكون مبهماً، إلا أن هذا لا يجعل من الشعر كلاما مقدساً لا يجوز له أن يهبط إلى الواقع، فهو يمد بساطه ليتضمن عمق الحياة وما بعدها أيضاً، أما عن تجربتي، فأحاول أن أرسم لنفسي طريقاً جديداً، فكل إنسان لابد أن يكون له خلطته السحرية.

خلق الشاعر

• نلاحظ بروز فلسطين في نصوصك، فهي الأرض والأم والقضية، إلى أي مدى تعتبر القضية دافعاً لخلق شاعر؟

- الشاعر لا يقدر على فهم تجربة الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية يتأمل ويتنقل في عالم الإنسان والكون الذي يعيش فيه إن الفلسطيني لا يكبر بشكل طبيعي ويعيش كما يعيش الآخرون، لكن الوطن يكبر معه، في وعيه وذاكرته وإذا لم يقف الشاعر مع المقهورين، ومع الحق لا يكون ما يقدمه شعراً، فالشعر كائن حساس يصطف دوماً مع البسطاء، وهو تدفق شعوري يتمرد على الظلم والشر، ولا يحيا إلا وسط جنان الحرية والكرامة.

• مشروعك القادم أدبي أم نقدي؟

- أصدرت قبل أسابيع قليلة مجموعة قصص قصيرة جداً «وجه في ظل غيمة»، ولاقت استحساناً أفرحني، وخلال الأسابيع المقبلة سيصدر لي كتاب «دراسات في القصة العربية القصيرة والقصيرة جداً».

الحياة تحت الاحتلال تجربة مليئة بالقلق والكوابيس والآمال المجهضة

الشاعر لا يقدر على فهم الحياة دون الغوص في المشاكل الإنسانية
back to top