حماية الصحة في عالم يشهد الاحتباس الحراري

نشر في 07-07-2019
آخر تحديث 07-07-2019 | 00:00
حتى لو نجح العالم في منع ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فإنه يتعين علينا الاستعداد لزيادة هائلة في حالات الطوارئ الصحية المرتبطة بالمناخ.
 بروجيكت سنديكيت هناك العديد من المخاطر المناخية التي يجب على العالم أن يستعد لمواجهتها بشكل عاجل، بدءا من الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية بسبب الظروف المناخية القاسية إلى انعدام الأمن الغذائي الناجم عن الجفاف، لكن أحد المجالات التي يشكل فيها تغير المناخ الخطر الأكثر أهمية لا يتم مناقشتها: صحة الإنسان. عندما تحل الكوارث الطبيعية يكون عدد القتلى الناجم عن الفيضانات أو المجاعات أو انهيار المباني هو مجرد بداية؛ فالأمراض الناتجة عن مثل هذه الأحداث تُسبب أضرارا أكبر بكثير، وفي حال استمرار ارتفاع درجات الحرارة ومستويات سطح البحر في العالم، يزداد عدد الكوارث الطبيعية وشدتها، بالإضافة إلى خطر الأوبئة القاتلة وتفشي الأمراض.

وقد تم التأكيد على هذا الخطر مؤخرا في موزمبيق، حيث أدى إعصار "إيداي" الذي اجتاح البلد في شهر مارس، إلى تفشي وباء الكوليرا، فتم الإبلاغ عن أكثر من 6700 حالة مشتبه فيها حتى الآن، وفيما يتعلق بمخاطر الأمراض المستوطنة التي غالبا ما يتم إهمالها، ظهرت 37 مليون حالة مُبلغ عنها من الملاريا والإسهال والتهابات الجهاز التنفسي الحادة والجلدية في عام 2010 بعد الفيضانات التي دمرت باكستان. وبالمثل، في جزر سليمان، أدت الفيضانات في العاصمة الناجمة عن عاصفة مدارية في عام 2014 إلى تفشي مرض الإسهال، الذي انتشر إلى خمس مناطق لم تتأثر بالفيضانات.

إن نظام الرعاية الصحية الأولية الفعال هو أفضل دفاع ضد هذا الدمار، لكنه لا يحظى بأهمية كبيرة في جدول أعمال المناخ. هذا عيب خطير، حيث إن الأنظمة الصحية معرضة بشكل خاص للصدمات البيئية، سواء كانت مرتبطة بالمناخ أو بالظواهر الأخرى، ووفقا لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية مؤخرا، فإن 84٪ من أصل 94 دولة تم تقييمها غير مستعدة للكشف عن تفشي الأمراض والتصدي لها.

بالإضافة إلى الاستجابة الفورية للكوارث، فإن الفشل في بناء المرونة في أنظمة الرعاية الصحية يقوض تقديم التدخلات الصحية الأساسية على المدى الطويل، مما يؤدي إلى تفاقم ضعف النظام والسكان الذين يخدمهم. في العديد من الحالات، فإن أولئك الذين من المرجح أن يعانوا أشد عواقب تغير المناخ لا يحصلون إلا على أقل قدر من الرعاية الصحية الأولية الموثوقة والفعالة، بما في ذلك الخدمات الأساسية.

ومع استمرار مشكلة تغير المناخ، سوف تتدهور عواقب نقاط الضعف هذه، كما ستتفاقم بسبب الاتجاهات العالمية الأخرى، بداية من التحضر.

وبحلول 2050 من المتوقع أن يعيش ثلثا سكان العالم في المناطق الحضرية، أي 2.5 مليار شخص أكثر من اليوم، ومثل هذا التحضر السريع- مدفوعا جزئيا بعوامل مثل الفقر والصراع وتغير المناخ- سيزيد خطر الأوبئة والأمراض المستوطنة، وتسهل الكثافة السكانية العالية انتقال العدوى، في حين يؤدي التلوث المتزايد والضغط على المرافق الصحية العامة إلى أمراض الجهاز التنفسي (مثل الالتهاب الرئوي) وأمراض الإسهال (مثل فيروس الروتا والكوليرا).

ليست البلدان الفقيرة المعرضة للخطر فقط، ففي العقود القادمة من المتوقع أن تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تسريع عودة ناقلات الأمراض، مثل بعوضة الزاعجة المصرية، إلى أجزاء من أوروبا وأميركا الشمالية، وقد يتسبب ذلك في انتشارها في مناطق جديدة في أقصى الشمال مثل كندا، وقد يؤدي هذا إلى عودة ظهور الحمى الصفراء، التي كانت منتشرة في الولايات المتحدة وأجزاء من أوروبا، وتفشي حمى الضنك وفيروس زيكا، واستنادًا إلى بيانات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، يُتوقع أن تؤدي مجموعة التغير المناخي والنمو السكاني إلى تعريض 6 مليارات شخص إضافي لخطر الإصابة بحمى الضنك بحلول عام 2080.

بدون رعاية صحية أولية فعالة ستكون الاستجابة للصدمات متفاعلة ومكلفة وغير فعالة دائما، ولحسن الحظ، هناك بالفعل نظام يمكنه توفير المستوى اللازم من الرعاية، وهذا النظام هو الذي كفل وصول التحصين إلى عدد أكبر من الأشخاص مقارنة بأي تدخل طبي آخر، فأصبح بإمكان أكثر من 80٪ من الأطفال في جميع أنحاء العالم- بما في ذلك العديد من أفقر دول العالم وأكثر البيئات صعوبة- الحصول على لقاحات روتينية تحميهم من أمراض مثل الدفتيريا والكزاز والسعال الديكي.

ويمكن أن يكون نظام التحصين- الذي يجب بالتأكيد توسيعه للوصول إلى جميع الأطفال- بمثابة أساس لبناء الرعاية الصحية الأولية، وبفضل العلاقات المجتمعية وسلاسل الإمداد والموظفين المدربين ومراقبة البيانات والأمراض والسجلات الصحية الموجودة بالفعل، يصبح من الأسهل بكثير تقديم التدخلات الصحية الأخرى التي يمكن أن تفيد الأفراد والمجتمع ككل، مثل المكملات الغذائية وبرامج الوقاية من الملاريا.

حتى لو نجح العالم في منع ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية بأكثر من درجتين مئويتين عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، فيتعين علينا الاستعداد لزيادة هائلة في حالات الطوارئ الصحية المرتبطة بالمناخ، ويُعد توسيع وتعزيز الرعاية الصحية الأولية وسيلة فعالة من حيث التكلفة لتعزيز القدرة على مواجهة التحديات المقبلة.

* الرئيس التنفيذي لمنظمة جافي، التحالف العالمي للقاحات والتحصين.

«سيث بيركلي»

إذا استمر ارتفاع درجات الحرارة ومستويات سطح البحر في العالم فسيزداد عدد الكوارث الطبيعية وشدتها
back to top