د. حامد الحمود... وحقيقة أهداف «الإخوان»

نشر في 04-07-2019
آخر تحديث 04-07-2019 | 00:10
يخطئ من يعتبر أن "الأخونة" تقوم بما تقوم به الأحزاب الغربية عندما تتسلم السلطة مؤقتا وبالتناوب، بعد أي انتخابات حرة، فالإخوان قبل غيرهم يعرفون جيدا أن "الأخونة" و"التمكين" مصطلحان حركيان حزبيان لا علاقة لهما بنظام ديمقراطي دستوري عصري يؤمن بالتعددية والحرية السياسية وتناوب التيارات والأحزاب على الحكم.
 خليل علي حيدر لا يهم في ما تفكر الرئاسة الأميركية بخصوص دور "الإخوان المسلمين القادم"، وهل استقرار مصر سيقوم حتما أم لا، على "تحالف الجيش المصري" مع هذا الحزب؟ فهذه استراتيجيات قد تنفذ كما هي أو تتبدل، المهم حقا لنا في المنطقة وفي الشرق الأوسط، أن نتصور ماذا ستفعل هذه الجماعة بالمجتمع المصري وبجيرانه، إن هيمنت على المصريين أو علينا، وباتت لحانا ورقابنا في يدها، ويكفي إلى جانب أشياء كثيرة أخرى، أن نتصور مثلا ما سيحدث للحريات وللتعليم وللإعلام والقوانين والتشريعات في ظل الإخوان، وللجامعات والكتب ولعقول الناس من رجال ونساء.

مقالة الأخ د. حامد الحمود "الرئيس ترامب والإخوان المسلمين"، (القبس) 26/ 6/ 2019 تتعامل مرة أخرى مع "الإخوان" وكأنهم جماعة من النمساويين أو الطليان أو الألمان، وأنهم يعرفون الحقوق والحريات، وينظرون إلى الدين والدولة والمفاهيم التحضرية التي استقرت في القرن الحادي والعشرين بعد تجارب بشرية مضنية، في حين سائر الأدلة والتجارب وما نرى من سياسات الإخوان وأفكارهم والتباكي على ضياع فرصة "أخونة مصر" من يد الرئيس مرسي مثلا، تؤكد العكس.

فالإخوان يعانون، فكراً وهيكلاً وحركةً، مشاكل بنيوية وعقائدية، تجعلهم أسوأ بديل للاستبداد العسكري أو السياسي وللتخلف السائد في العالم العربي، كما أن مقارنتهم بالأحزاب المسيحية الديمقراطية خطأ فادح ربما لا يرضاها كل الإخوان لأنفسهم، وبالتأكيد لا تتحمس لها الأحزاب المسيحية الديمقراطية كذلك.

سبق أن ناقشنا أكثر من مرة أفكار د.الحمود في "الجريدة"، 22/ 3/ 2017، و10/ 8/ 2017 و23/ 11/ 2017، واقتراحاته وتصوراته، وأذكِّر القراء بتواريخ المقالات، كي نتجنب التكرار والتذكير اللذين يبدو ألا مفر منهما بعض الشيء.

قلنا مراراً إن "الإخوان" بعكس الديمقراطيات الغربية العلنية المفتوحة، والتي ساهمت الأحزاب المسيحية في ترسيخ قيمها، وبنت الغرب وأحيت غربي أوروبا بعد الحرب الكونية، في حين لا أحد يعرف حياة أحزاب وحركة الإخوان الداخلية، ولا تدقق أي جهة حساباتها ومصاريفها، ولا يسمح حتى للكثير من الإخوان أنفسهم بمعرفة التفاصيل المكتومة والحقائق المدفونة عن جماعات الإخوان في مصر والكويت والأردن وسورية وكل مكان.

ومفهوم بالطبع أن الأحزاب السياسية، وبخاصة إن كانت جماعة سياسية مؤدلجة، حياتها غير مستقرة، كما هي الحال مع الإخوان، ليست كالشركات التجارية والبنوك مثلا، ولكن غموض حركة الإخوان بعد مضي كل هذه العقود والسنين والسياسات والأخطاء، وعدم تعامل الحزب مع المؤرخين السياسيين وعدم حسم الكثير بما يتعلق بماضيه والحوادث التي وقعت في رحابه، أمر لا يبدو طبيعيا. كيف يمكن للشعوب أن تسلم نفسها لجماعة غامضة كتومة معقدة كهذه؟

مثل هذه الحركات والأحزاب لن تقيم في أحسن الأحوال إلا نظاما شبه شمولي، شبه مستقر، شبه إسلامي، أساسه النفاق، وقوامه الخوف والشقاق، وركائزه، كي يستمر، جملة من أجهزة الاستخبارات الإسلامية كالتي نراها عند بعض جيراننا، تنشط في الهيئات والجامعات والوزارات والمساجد وكل مكان.

فليس من السهل ترسيخ أركان نظام ديني مؤدلج كدولة الإخوان المسلمين، وليس من السهل التكتم على أخطائه وقمعه ومغامراته وارتباطاته وفساد بعض قياداته، ولن يسهل كذلك التغلب بسهولة على العقبات الجسيمة المتوقعة أمام هذا النظام في مختلف مناحي الحياة.

إن كل ما يتفاخر به الإخوان من نجاحات تحققت، إن كانت نجحت حقا، في إطار المجتمعات والاقتصادات التي يحاربونها نظريا ودينيا وحزبيا، ولقد عاصر ظهور الجماعة تجارب شمولية في روسيا وألمانيا وإيطاليا وتجارب حرة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة، فكيف فهم مرشد الجماعة الأوضاع العالمية؟

كما سبقت حركة الإخوان محاولات إصلاحية منذ زمن الأفغاني ومحمد عبده، فهل تفاعل معها وارتقى بها وحاول الإضافة إليها؟ هل عمد مثلا إلى إحداث وعي قانوني أو دستوري أو سياسي ينهض بالشعب المصري والشعوب المجاورة؟ إن الإخوان أنفسهم في كتبهم يعترفون أن حسن البنا لم يكن مفكراً واسع الثقافة، ولا كان منظراً بقدر ما كان محرضا سياسيا وداعية، وباني حركات شعبية. وقد يتساءل القارئ: هل حاول المرشد مثلا أن ينشر رؤية جديدة للمجتمع الإسلامي وأزماته؟ لقد قام المرشد بالترويج لإسلام ديني شمولي مؤدلج، سياسي اقتصادي اجتماعي رياضي تجاري شرعي سلفي... إلخ.

ولكنه شجع سراً كذلك تأسيس "دهاليز الحزب"، وبناء الكتائب الخاصة والتنظيم "والجهاز السري" على نهج أحزاب الفاشيين في أوروبا، وبنى في النهاية في مصر وخارجها حركة كتومة فوق الشعب، لا علاقة لها بما يحدث إلا إن كان يخدم تطلعاتها، ولا يقبل من الأعضاء من لا تنطبق عليه "مسطرته" الدينية والمذهبية والسياسية، وحتى عندما قام الإخوان بتأسيس حركة "الأخوات المسلمات" النسائية، جعلوها تحت إمرة المرشد حسن البنا نفسه، ولا تزال مناصب الجماعة بيد ذكورها!

ولا يزال الإخوان في الكويت ومصر وسورية وفلسطين والأردن والسعودية وغيرها، يمتلكون خطابا مزدوجا. فعندما يخاطبون الإخوان داخل التنظيم يقولون لهم شيئا خاصا، وعندما يخاطبون عامة الجمهور، وكذلك النساء والنصارى الأقباط والأوروبيين، يقولون لهم شيئا آخر! ولهم في كل قضية "خطاب عقائدي" داخل التنظيم، حيث تتم التعبئة الحزبية، و"خطاب سياسي شعبوي" يراد به كسب الجماهير والناخبين و"توزيع" الآخرين! وتبدو حركة الإخوان في الظاهر وكأنها فعلا حركة نهضوية رائدة ونخبة عصرية منفتحة، ولكن هل دعا الإخوان إلى حركة اقتصادية جديدة حقا؟ وهل قاد "مفكروها" ما يشبه ثورة الميجي في اليابان أو المعجزة الاقتصادية الألمانية بعد الحرب أو حركة النمور الآسيوية ونهضاتها الحديثة؟

كلا بالطبع، فالمصارف الإسلامية "والبنوك اللاربوية" ترتكز على الاقتصاد الغربي المتقدم بما فيه من بنوك راسخة وفرص استثمارية وتقاليد مالية وتجارية، والأهم من ذلك اليورو والدولار، وهي تعتمد على نظام مالي دولي لو اهتز أو انهار لتأثرت أشد التأثر. كما أن "المصارف الإسلامية" في الأغلب بيد البلدان النفطية والخليجية ودول صديقة لها مثل ماليزيا، وأغلب هذه الدول وربما كلها لا تزال تعتمد على بيع النفط الخام، ويلاحظ كذلك عدم نجاحها كدول صناعية أو اقتصادات حرة وعصرية وطبقة متوسطة ونظام ضريبي وغير ذلك.

ولا يكترث الإسلاميون أو حتى مضيفوهم الغربيون بأن الاقتصاديين الإسلاميين ودعاة الإخوان "العصريين" يطعنون ليل نهار في النظام الاقتصادي الغربي، ويدعون عليه بالويل والثبور ويتنبؤون بقرب "سقوط حضارة الغرب" الجاهلية، كي يرث الإخوان أوروبا وأميركا واليابان!

هذه حركة تلدغ من يرعاها ويحتضنها!

ونقف ختاما مع شعار "الأخونة" وشعار أخطر هو "التمكين"، وهما بحاجة إلى توسع واقتباسات لم يعد لها مجال في هذا المقال، ولكن يلفت النظر حقا أن الإخوان كانوا أكثر الناقدين لمثل هذه الممارسات في نظام ثورة يوليو المصرية وأنظمة حزب البعث في العراق وسورية، عندما كانت المناصب توزع حسب درجة الولاء للقائد والحزب، وها هم بعض كتاب تيار الإخوان يتحسرون على الفرصة التي فرط فيها الإخوان المصريون، ولم يبادروا إلى "أخونة النظام" بعد فوز الرئيس مرسي بالسرعة الكافية والحزم اللازم... ولا أدري إن كانت خطوة كهذه، تجعل من مصر اليوم ألمانيا أو كوريا الجنوبية!

ويخطئ بالطبع من يعتبر "الأخونة"، أي هيمنة الإخوان على كل مفاصل ومرافق الدولة، مثل ما تقوم به الأحزاب الغربية عندما تتسلم السلطة مؤقتا وبالتناوب، بعد أي انتخابات حرة، فالإخوان قبل غيرهم يعرفون جيدا أن "الأخونة" و"التمكين" مصطلحان حركيان حزبيان لا علاقة لهما بنظام ديمقراطي دستوري عصري يؤمن بالتعددية والحرية السياسية وتناوب التيارات والأحزاب على الحكم.

ويفهم الإخوان والإسلاميون أن الأخونة والتمكين لا يختلفان كذلك عما جرى ويجري في نظام "ولاية الفقيه" حيث بشر قادته أول قدومهم عام 1979 بنظام إسلامي "لا شرقي ولا غربي"، وبحريات سياسية وفردية لا يحلم بها أهل المشرق والمغرب حتى في الخيال، كما يدرك كل من يعرف أفكار وشعارات الإسلاميين، من أي لون ومذهب، أن الأخونة لن تكون إجراء مؤقتا، كبعض التغييرات في المناصب السياسية والسفارات والمؤسسات في الولايات المتحدة بعد نجاح الجمهوريين أو الديمقراطيين، أو بعض التعيينات بعد الانتخابات في الاتحاد الأوروبي، ولن تكون مقتصرة على السياسة والاقتصاد، بل قد تكون إجراءات عقائدية شمولية بالغة الخطورة، تتم غالبا بالإكراه، وتحولات تقتلع أي دولة عربية أو إسلامية من محيطها السياسي والاقتصادي والثقافي والقانوني.. لتقذف بها بقوة وقسوة إلى مهاوي المجهول!

back to top