دكتاتورية الكم

نشر في 02-07-2019
آخر تحديث 02-07-2019 | 00:05
 حمود الشايجي "قل لي كم متابعاً لك، أقل لك من أنت"، أو بالأصح "قل لي كم متابعا لك، أقل لك إلى أي مدى أستطيع الاستفادة منك".

هذه المعادلة التي يتم تداولها في وسائل التواصل الاجتماعي، وبهذه الصورة تحدد تلك الوسائل أو من يقوم بتحريكها "كيفية الاستفادة منك إلى الحد الأقصى"، وهذا الحد في حقيقته ليست له نهاية، فهذه الاستفادة من الممكن أن تنطلق من ترويج منتج بسيط إلى شن حرب دولية.

يقول الفيلسوف والروائي الإيطالي الشهير أُمبَرْتو إيكو عن وسائل التواصل الاجتماعي إنها "مَنحت حق التعبير لجحافل من الأغبياء ما كانوا يتحدثون سابقا إلا في الحانات من دون إلحاق أي ضرر بالمجتمع، وغالباً ما كان يتم إسكاتهم، أما الآن فقد بات لهؤلاء الأغبياء الحق نفسه في التعبير كشخص حاز جائزة نوبل... إنه غزو الأغبياء".

بهذا الوصف، الذي يكاد يكون متطرفاً، وصف إيكو وجهة نظره بمنصات التواصل الاجتماعي، في الوقت نفسه نجد الكثير من المفكرين واجهوا هذه الفكرة بشكل سلبي، واتهموا إيكو بالفوقية والتعالي على المجتمع ورجل الشارع العادي. لكن لو رجعنا إلى المفهوم الذي انطلقت منه هذه الوسائل، وهو أن لكل إنسان الحق في إبداء رأيه بالتساوي مع أي شخص آخر حول العالم، وبشكل مجاني وغير مُكلف، فليس على الشخص إلا الدخول إلى الإنترنت، وإنشاء حساب خاص به، وإبداء رأيه في أي موضوع يحلو له وفي الوقت الذي يريد، فسنجد أنفسنا في مواجهة تساؤلات مهمة، وهي "ما مدى تأثير هذا الرأي ومن يحكم هذا التأثير ومن يتحكم فيه؟".

وبعيداً عن رأي أُمبَرْتو إيكو وأهميته من وجهة نظري، أجد أن رأي الفرد رغم التسويق له بأنه بالأهمية ذاتها مع أي شخص آخر في وسائل التواصل الاجتماعي، هو أمر غير دقيق، فالحكم في هذه الوسائل قائم على مفهوم "الكم"، فعدد المتابعين على سبيل المثال هو الذي يحدد مدى التفاعل مع أي رأي. وهذا التفاعل هو الذي يشكل حركات الشارع ورجل الشارع.

هذا الأمر عُزِّز واستُخدِمَ على يد من يُحرك هذه الوسائل، وذلك عن طريق إنشاء "قادة رأي" بمقياس شبه وحيد وهو المقياس الكمي، فاليوم مثلاً لا تُقاس موهبة أي فيلسوف أو كاتب أو فنان تشكيلي أو ممثل أو غيره بأهمية موهبته الفكرية والإبداعية، كما كان في السابق، بل بات يقاس فكره وموهبته بمقدرته على جذب المتابعين له، فـ "الكم" هو المتحكم في وسائل التواصل الاجتماعي.

لكن السؤال المهم هنا؛ هل سيستمر "الكم" هو المقياس شبه الوحيد في منصات وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل سيأتي اليوم الذي تتخذ فيه الجماهير - وهي أساس الكم - موقفاً مغايراً لهذا المعيار عبر وسائل التواصل نفسها؟ (يتبع الأسبوع المقبل).

back to top