High Light: حركات التحرر... البرازيل نموذجاً

نشر في 28-06-2019
آخر تحديث 28-06-2019 | 00:07
 د. حمود حطاب العنزي واهمٌ مخدوعٌ من يعتقد أن الحرية هدية تتسلمها الشعوب في طرد مغلف أمام أبواب بيوتها، كيف تكون بلا ثمن وهي تُنتزع من بين براثن وأنياب طغاة، إكسير حياتهم امتصاص دماء الشعوب ومقدراتها، فأسلحتهم اللا مشروعة متعددة فتاكة تستخدم بلا هوادة أو رحمة تزينها وتبررها أذرع إعلامية يربطها بالفساد حبل سري.

فها هو المجتمع المدني البرازيلي يواجه من مستعبديه بالقمع والعنف والتخوين والاعتقالات وما يسمى كتائب الموت، فالقتل على الاشتباه، والخصم والحكم والجلاد والمطرقة في كفة، والشعب في الكفة المقابلة، واستمر ذلك عقوداً، انتصر بعدها البرازيليون لأنهم أدركوا أن معارك الكرامة والحرية والتقدم لا تحسم في جولة واحدة، بل تمتد سنين عجافاً طوالا، ولكن النهاية محسومة لمصلحة الشعوب، وقصير النظر هو من يقف بصره عند هذه المرحلة التي تدفع بها الشعوب مهر حريتها، ويقولون مثبطين انظروا إلى المطالبات بالحريات لم تجلب إلا خراب الديار وضياع الأوطان، ولكنّ أولي الأبصار والألباب الواعين بكنه التغيير عبر التاريخ، يعلمون أن القهر والقمع ليل حتمي يسبق نور النهار، فالبرازيل اليوم سابع أغنى دول العالم، والبنك الدولي الذي كان بالأمس يرفض إقراضها مدين لها اليوم بأربعة عشر مليار دولار، فبرازيل اليوم تطالب بمقعد دائم لها في مجلس الأمن، ومنظمات المجتمع المدني المقهورة بالأمس هي اليوم صمام الأمان الحافظ للحرية والوقود الدافع لمزيد من الانفتاح على الحرية وقيم الديمقراطية.

ولنا في التجربة التركية خير شاهد ودليل على أن معركة الشعوب نحو الحرية معركة وعي تراكمي تربيه وتثقله التجربة والخبرات المتراكمة، فالأتراك الذين ساندوا الدبابة في الوصول لسدة الحكم في أربعة انقلابات ناجحة، هم أنفسهم من ناموا أمامها في مشهد واع ملهم في محاولة الانقلاب الأخير، ولسان حالهم يقول للشعوب من ذاق طعم الحرية ونتائجها استرخص حياته ثمناً لها.

ولا نكاد نعلم حركة تحررية لم تمر بمرحلة نجاح أوليّ ثم يتم سحقها تحت أقدام الدولة العميقة والثورات المضادة، ثم ترتد الكرة للشعوب فلا تسجل هذه الشعوب هدف الفوز فقط، بل أهداف الخلود، وحسبك أن تراجع الثورة الفرنسية وإحصاءاتها لتدرك ذلك بنفسك.

والسؤال، هل يمكن للشعوب العربية استنساخ التجربة نحو الحرية؟ نعم يمكنها إن أدركت أن المعركة طويلة ومتعددة الفصول، وأن الوعي بطبيعتها عمود من أعمدة الانتصار فيها.

ختاما:

التغيير المجتمعي سنّة ثابتة من سنن الكون، والمجتمع العربي جزء من جسد المجتمع العالمي، وقطار الربيع العربي الذي انطلق ثم أُخرج عن مساره حتماً سيصل بعد أن تُحَمَّلْ كل عرباته بالوعي والخبرة السياسية والمجتمعية، وخير دليل على ذلك ما حصل بالجزائر مؤخرا، حيث تحلى الجزائريون بالحكمة والوعي السياسي، سواء من جانب الشعب أو السلطة، وذلك بسبب مرورهم بتجربة حراك عام 1988 ما من شأنه تشكيل الخبرة والحنكة والوعي السياسي الذي انعكس على التعاطي مع الأزمة السياسية. ودمتم بخير.

back to top