خسارة معركة هونغ كونغ الأخيرة

نشر في 16-06-2019
آخر تحديث 16-06-2019 | 00:00
عندما أعادت بريطانيا هونغ كونغ إلى السيادة الصينية في عام 1997، قامت بذلك وفق القانون الأساسي الذي صان ما دُعي عقيدة "بلد واحد، نظامان"، وضمِن هذا القانون احتفاظ هونغ كونغ بأنظمتها الفريدة وحرياتها المدنية حتى في ظل سيادة الصين، ولكن يبدو أن القانون الأساسي بدأ ينهار.
 سيدني مورنينغ هيرالد مارس شعب هونغ كونغ في نهاية الأسبوع حريته بالنزول بأعداد غير مسبوقة إلى الشارع للاحتجاج ضد محاولة أخرى للحزب الشيوعي الصيني هدفها إحكام قبضه بقوة أكبر على هذه المنطقة، فهل تستطيع بكين تجاهل هذا الإعراب الضخم عن الانشقاق؟ يؤكد منظمو هذا الحشد الضخم أن نحو مليون شخص ساروا في حر هونغ كونغ الشديد.

تحولت مسيرة احتجاج سلمية في هونغ كونغ ضد قانون الترحيل إلى موجة من أعمال العنف في ساعات الفجر الأولى من يوم الاثنين مع حدوث تصادم بين بضع مئات من المتظاهرين وعدد مماثل من عناصر الشرطة أمام مقر البرلمان في المدينة.

خرج الآلاف دعماً في ما لا يقل عن 29 مدينة في نحو 12 دولة حول العالم، بما فيها سيدني، وملبورن، وبريزبن، وكانبرا، وكما أشارت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست"، "انتشرت موجة من التضامن من برلين إلى بريزبن يوم الأحد في حين احتشد المتظاهرون حول العالم لدعم التظاهرة الحاشدة في هونغ كونغ".

في الظاهر، نزل الناس بقوة إلى الشارع للاحتجاج على قانون مقترح يسمح لبكين بنقل الناس عبر الحدود لمحاكمتهم في محاكم البر الرئيس الصيني. سار الناس رافعين راية "ما من ترحيل إلى الصين"، لكن مخاوفهم أكبر في الواقع، إذ يخشون أن تكون هذه "المعركة الأخيرة" في سبيل الحريات المتبقية في هونغ كونغ، حسبما ذكر المشرع السابق مارتن لي الملقب بـ"أبي الديمقراطية" في هونغ كونغ.

يعود ذلك إلى أن البر الصيني لا يملك قضاء مستقلاً وأن مواطنيه لا يحظون بحقوقهم. المحاكم في الصين مسيسة، ومن الممكن مقاضاة أي شخص بناء على رغبة السلطات، وقد يُدان إذا كانت هذه مشيئة القيادة السياسية، وإذا سُن هذا القانون في هونغ كونغ، يصبح باستطاعة بكين أن تفبرك التهم ضد أي إنسان تختاره، ونتيجة لذلك، قد يختفي المنشقون عبر الحدود... نهائياً.

قد يخسر شعب هونغ كونغ الكثير. صحيح أن هذه المنطقة لم تكن يوماً ديمقراطية، لا خلال عهد بريطانيا ولا عهد بكين، إلا أن شعبها يتمتع بحريات مدنية (مثل حرية التعبير، والدين، والتنظيم) من مستحيل تخيلها في البر الصيني، أضف إلى ذلك الحقوق القانونية. على سبيل المثال، منحت منظمة "بيت الحرية" (فريدم هاوس) هونغ كونغ نسبة 59% للحريات التي يتمتع بها مواطنوها، تماماً مثل فيجي والفلبين، وفي المقابل أعطت الصين نسبة لم تتخطَّ 11%.

من المعروف أن رئيسة هونغ كونغ التنفيذية كاري لام "دمية في يد بكين وتتلقى عموماً أوامرها من [الرئيس الصيني] شي جين بينغ"، حسبما يوضح الباحث البارز المتخصص في شؤون الحزب الشيوعي الصيني ويلي لام في جامعة هونغ كونغ الصينية. بكلمات أخرى، لم تتأثر الحكومة المحلية بحجم القلق غير المسبوق الذي أعرب عنه المواطنون، فأشعل هذا غضب أقلية متطرفة: بضع مئات من المتظاهرين الذين لجؤوا إلى العنف، فاجتاحوا الحواجز وتسببوا في إصابة ثلاثة عناصر من الشرطة على الأقل، ولا شك أن بكين ستستغل أعمال العنف هذه لتعتبر التظاهرة برمتها مجرد حركة متطرفة.

ثانياً لأن بكين أمرت بذلك، يؤكد الدكتور لام: "يبدو أن بكين لن تستسلم للضغط من قوة الشعب هذه في هونغ كونغ لأن عضواً من اللجنة الدائمة التابعة للمكتب السياسي المركزي في الحزب الشيوعي دعم قانون الترحيل قبل نحو شهر"، وتُعتبر هذه اللجنة الدائمة نظيراً لحكومة بكين. ويضيف: "ستشكّل هذه وصمة عار كبيرة".

وماذا عن المجلس التشريعي المحلي في هونغ كونغ؟ يشكّل الأعضاء الموالون لبكين الأكثرية. ويعود ذلك جزئياً إلى أن بكين تعيّن نصفهم مباشرةً. لذلك يُعتبر قانون الترحيل اليوم واقعاً محسوماً.

ثالثاً لأن المخاطر المشمولة أكبر، ويشدد الدكتور لام على أن "شي يميل إلى دمج سياساته تجاه هونغ كونغ، وتايوان، وتبت، وسنجان معا"، وهي أربع مناطق تمتعت بدرجات مختلفة من الاستقلال التاريخي عن بكين وتتعرض جميعها اليوم للضغط كي ترضخ بالكامل. "يصب شي اليوم كل اهتمامه على تايوان، لذلك من المستحيل أن يعرب عن ضعف في هونغ كونغ لأنه يريد ترهيب تايوان، وتتداخل سياسات الصين تجاه هونغ كونغ وتايوان إلى حد ما، لأن شي قومي متشدد"، وفق هذا الباحث.

عندما أعادت بريطانيا هونغ كونغ إلى السيادة الصينية في عام 1997، قامت بذلك وفق القانون الأساسي الذي صان ما دُعي عقيدة "بلد واحد، نظامان". بكلمات أخرى، ضمن هذا القانون احتفاظ هونغ كونغ بأنظمتها الفريدة وحرياتها المدنية حتى في ظل سيادة الصين، ولكن يبدو أن القانون الأساسي بدأ ينهار.

شغلت أنسون تشان، التي دُعيت "المرأة الحديدية" في هونغ كونغ، منصب رئيس وزراء هونغ كونغ بين عامَي 1993 و2001، وهكذا عملت في ظل الحكم البريطاني ومن ثم حكم بكين. ذكرت تشان قبل ثلاث سنوات أن مصير هونغ كونغ في ظل القانون الأساسي يشكّل مسألة حيوية تشغل العالم بأسره، فـ"إذا تمكنت الصين، من دون أي عواقب، من التملص من التزاماتها تجاه هونغ كونغ بموجب هذه المعاهدة، فماذا يُظهر ذلك عن موقف الصين من التزاماتها تجاه الدول الأخرى التي وقعت معها معاهدات؟"، حسبما أخبرتني.

إذاً، حُذّر العالم مرة أخرى، صحيح أن تظاهرات الأيام الأخيرة تمحورت حول هونغ كونغ، إلا أن الحرية حول العالم هي المهددة.

* "بيتر هارتشر"

الأعضاء الموالون لبكين يشكّلون الأكثرية في المجلس التشريعي المحلي في هونغ كونغ

منظمة «فريدم هاوس» منحت هونغ كونغ 59%من الحريات التي يتمتع بها مواطنوها
back to top