الكتاب يطفئ حرارة الصيف

نشر في 12-06-2019
آخر تحديث 12-06-2019 | 00:05
 طالب الرفاعي كما للسينما العالمية مواسم، كأعياد الميلاد والعُطل، فإن للقراءة مواسم في أوروبا وأميركا وكندا ودول أميركا الجنوبية، وربما دول شرق آسيا، وتحديداً اليابان وبعض مقاطعات الصين. وأحد أهم مواسم إطلاق الكتب، وعلى رأسها الروايات والمجاميع القصصية ودواوين الشعر، هو موسم إجازة الصيف.

فصحيح أن إجازة الصيف تخصّ الطلبة بالدرجة الأولى، لكن الصحيح أيضا، أنها تؤثر وتمسّ جميع أفراد العائلة، وبالتالي يأتي موسم السفر، ويجلب معه موسم القراءة.

في الكويت، ومنذ أيام، ارتفعت أصوات الشكوى بحلول موسم الحر. حر الكويت الذي حقق أرقاماً قياسية، حيث أشارت الزميلة «القبس» على صدر صفحتها الأولى يوم الأحد 9 الجاري، إلى أن «حرارة الكويت هي الأعلى في العالم»، ودون شك ألقى هذا الجو وسيلقي بظلاله على مختلف نواحي الحياة.

تخرجت في جامعة الكويت، حاملاً شهادة الهندسة المدنية، وعملت سنوات طويلة جاوزت العقد ونصف العقد في مواقع العمل الإنشائية، مع العامل والنجار والحداد وسائق خلاطة الخرسانة والكهربائي، وغيرهم من الوظائف التي تمارس أعمالها تحت أشعة الشمس المباشرة.

كنّا نعمل باكراً، بدءاً من الخامسة صباحاً، لكن ما إن يحل الضحى، وترتفع الحرارة، حتى يصبح الحر هو سيد الموقف. وقتها كانت درجة الحرارة في الظل المُهوّى تتجاوز الخمسين درجة مئوية، بينما تحت أشعة الشمس المباشرة كانت تصل أحياناً إلى حدود السبعين. وهذا الوضع ما زال قائماً، وربما أصبح - بالنظر إلى التغيرات المناخية - أسوأ، لكنه لم يُعق العمل، ولا تسبب في إيقاف أي مشروع إنشائي. فليس أدل على عظمة الإنسان من قدرته على التكيّف. لذا فإن الإنسان الذي يعيش في الكويت، ومنذ كانت بلداً صغيراً من دون كهرباء، كيّف نفسه وظرفه الشخصي للعيش في الجو الحار، الذي يمتد أحياناً مدة قد تصل إلى ستة أشهر، منذ بداية الشهر الرابع (أبريل)، وصولاً إلى نهاية شهر سبتمبر.

ومؤكد ليس كالظل مهرب من حرارة الجو، خاصة أن الظل الكويتي صار مكيّفاً؛ بدءاً بالسيارة، مروراً بأماكن العمل في مختلف وزارات الدولة ومؤسساتها، وصولاً إلى المجمعات التجارية والأسواق المركزية.

نعم، درجة الحرارة في الكويت قد تكون الأعلى عالمياً، لكنها تقسو على عمّال الطريق، وعلى الذين أجبرهم ظرفهم المعيشي الصعب على العمل في البيئات الخارجية، كأولئك الذين يعملون على الحدود، أو في حقول ومصافي البترول ومحطات الوقود، أو فئات كثيرة غيرهم. فهؤلاء دون غيرهم يتحملون حرارة الجو القاسية، ويجهدون للهروب منها بطرقهم الخاصة.

أما بقية فئات المجتمع، فلهم معاناتهم من حرارة الجو، لكنها معاناة مختلفة، معاناة أرحم وألطف، وهي ومعاناة أمكن ترويضها. فمن يستيقظ في بيت يعمل به التكييف المركزي، ويركب سيارة باردة، ويصل إلى مكان عمل مكيَّف، ويقضي جلّ يومه في مكان بارد، يكون وقع الصيف عليه محتملاً، خلافاً لأولئك الذين يواجهون أشعة الشمس وهواء الفرن الذي يحرق وجوههم مثلما يحرق أنفاسهم ونفسياتهم.

كنا أطفالاً نطفئ حرارة الصيف بهروبنا إلى السباحة، لكن ما لبثت الأندية الصيفية أن لفتت انتباهنا وأنستنا حرارة الصيف، وسط المكتبة والقراءة والمسرح والموسيقى والرياضة الداخلية والسينما.

نعم، لقد كان للأندية الصيفية التي ترعاها وزارة التربية دوراً كبيراً ومهماً في استيعاب أبناء الكويت خلال فصل الصيف. لكن الوضع تغيّر مع الأسف، وفقدت الأندية الصيفية حضورها المهم، ولم يأت ما يعوّض غيابها. وربما وحده الكتاب، وتحديداً كتب الأدب، يجب أن تلعب دوراً مهماً لتأثيث إجازات الصيف مهما كان طقسها.

حبّذا لو أن الآباء والأمهات أوصلوا لأبنائهم فكرة أن «الكتاب يطفئ نار الصيف»، وحبذا لو أن كل أسرة اتخذت لنفسها جدولاً لمجموعة من الكتب الأدبية الرائجة، لتكون حاضرة على مائدة حدثها اليومي طوال فصل الصيف. وقتها سيمرّ صيف الكويت، تحت برودة المكيفات، وقريباً من عوالم الكتب، ومؤكد أنه لن يكون حاراً وقاسياً.

back to top