نهاية العالم كما نعرفها

نشر في 09-06-2019
آخر تحديث 09-06-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت بعد ثلاثة عقود من الانتقال إلى سوق عالمية موحدة تحكمها قواعد منظمة التجارة العالمية، عرف النظام الدولي تغيرا جذريا، إذ تخوض الولايات المتحدة الأميركية والصين حربا تعريفية بدت في البداية وكأنها معركة حول الميزان التجاري الثنائي، ولكن اتضح أن البلدين يتنافسان على أكثر من ذلك بكثير، وحتى الآونة الأخيرة، استطاع المرء أن يجد الأمل في أن البلدين كانا يتفاوضان بغض النظر عن التبادل المتكرر للتهديدات. ولم يعد هذا قائما اليوم.

وفي الشهر الماضي، وتحت ضغط من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أنهت google (غوغل) تعاونها مع شركة Huawei (هواوي)، لتحرم بذلك شركة صناعة الهواتف الذكية الصينية من ترخيص استخدام برنامج Android لشركة google والخدمات ذات الصلة، وتشكل هذه الخطوة تهديدا وجوديا لهواوي، بل أكثر من ذلك، فإنها تمثل إنجازا مهما في الصراع الصيني الأميركي ونهاية العولمة التي تقودها الولايات المتحدة، ورسالة الولايات المتحدة واضحة: لم تعد صادرات التكنولوجيا والبرمجيات مجرد مسألة تجارية، بل مسألة سلطة، ومن الآن فصاعدا ستعطي الولايات المتحدة الأولوية للسلطة على حساب السوق.

الآن وبعد أن اتخذ الصراع شكله حول الهيمنة، قد تضطر الصين إلى سحب كل المحاولات لحماية أبطالها الوطنيين، وهذا يعني الانسحاب في أسرع وقت ممكن من جميع سلاسل التوريد التي تعتمد على مستلزمات إنتاج وسائل التكنولوجيا الفائقة من صنع الولايات المتحدة، خاصة أشباه الموصلات، ويتعين على الصين أن تبدأ بتحديد مصادر جميع المكونات اللازمة على المستوى المحلي، أو من شركاء آمنين في حدود مدارها. وعلى المدى المتوسط، من شأن هذا التعديل أن يقسم العالم بفعالية إلى جانبين من المنافسة الاقتصادية، وعاجلاً أم آجلاً يتعين على جميع القوى الأصغر التي تعتمد على الأسواق العالمية اختيار أحد الجانبين ما لم تكن قوية إلى حد ما لتتحمل الضغوط الأميركية والصينية، ومع مطالبة الصين والولايات المتحدة الأميركية بالوضوح، فإن عمالقة الاقتصاد لاسيما الاتحاد الأوروبي، والهند، واليابان سيواجهون معضلة اقتصادية مستعصية. وإذا كانت السوق العالمية المفتوحة والموحدة أصبحت بالفعل شيئا من الماضي، فإن السؤال المطروح هو: كيف ستلعب الصين أوراقها؟ ولأن الصين أكبر دائن لأميركا، فهل سترى أن الحرب على العملات سلاح قوي؟ إذا كان الأمر كذلك، فسرعان ما سيصبح الصراع الخطير بالفعل حول التفوق التكنولوجي العالمي صراعا أوسع نطاقا وأكثر خطورة.

والخطر لا يكمن في أن التنافس الاقتصادي، والحمائية، والقيود التجارية ستهدد الرخاء العالمي فقط؛ بل إن هذه التطورات من شأنها أن تزيد من خطر مواجهة سياسية خطيرة. وستحل السيادة التكنولوجية محل التجارة والتبادل، وستصبح لجنسية الشركات- حتى الشركات الكبرى المتعددة الجنسيات- الأهمية نفسها لنموذج أعمالها.

ومع ذلك، سيكون من الخطأ أن نستنتج أن هذا الصراع برمته لم يكن إلا بسبب ترامب وجدول أعماله القومي الجديد، إذ بعد يومين من إعلان Google قرارها، نشرت صحيفة نيويورك تايمز تعليقًا لـطوماس إل فريدمان، مؤلف كتاب The World is Flat (العالم مسطح)، يردد فيه العديد من هجمات ترامب على الممارسات التجارية غير العادلة للصين. وإذا كان هذا هو المكان الذي يقف فيه كاهن العولمة الأيديولوجي السابق، فإن الصين لا تواجه أميركا بقيادة ترامب فقط، بل أميركا الليبرالية أيضا.

وتهدف الخطوة الأخيرة لإدارة ترامب إلى الإشارة إلى أن الولايات المتحدة لن تسلم مكانتها العالمية المهيمنة دون قتال، ومع ذلك، عن طريق التعجيل بإنهاء العلاقة التجارية القائمة مع الصين، ستتحمل الولايات المتحدة تكاليف باهظة خاصة بها.

ولا شك أن الاضطرابات تنتظر أوروبا أيضا، إذ من شأن الانقسام في الاقتصاد العالمي أن يشكل تحديا أساسيا لنموذج التصدير الأوروبي، خصوصا نموذج الصادرات الألمانية، ومع أن الاتحاد الأوروبي سيظل يعتمد على ضمان الأمن الأميركي والتجارة مع الولايات المتحدة، إلا أن مصدري الاتحاد أصبحوا يعتمدون بشكل متزايد على السوق الصينية. وسيضطرون في هذا السيناريو إلى اتخاذ قرار بين الاثنين، مما سيؤدي إلى الخسارة. صحيح أنه في حرب تكنولوجية واسعة النطاق، ستزداد قيمة الاتحاد الأوروبي كحليف للولايات المتحدة، وستنخفض مخاطر التعريفة الجمركية الأميركية على الصادرات الأوروبية، ولكن سيتعرض المصدرون الأوروبيون الذين أصبحوا يعتمدون أكثر على الصين للضغط.

لقد أظهرت التجربة السابقة أن أوروبا تحتاج عادة إلى أزمة من أجل الانتقال إلى المرحلة الموالية من تطورها، والأمل في الوضع الحالي، هو احتمال ألا يكون أمام أوروبا الآن أي خيار سوى تطوير استراتيجية جيوسياسية للقرن الحادي والعشرين. لقد نجا الاتحاد الأوروبي إلى حد كبير من الغضب الشعبي في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، والآن يجب عليه أن يعمل على حماية ازدهاره وسيادته في عصر الانقسام الصيني الأميركي.

* يوشكا فيشر

* وزير خارجية ألمانيا ونائب مستشارها في الفترة بين 1998 و2005، وكان أيضا زعيم حزب الخضر الألماني

لعشرين عاما تقريبا.

«بروجيكت سنديكيت، 2019» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top