وضع النمو في مكانه الصحيح

نشر في 05-06-2019
آخر تحديث 05-06-2019 | 00:00
 بروجيكت سنديكيت بعد أن تركت غولدمان ساكس في مايو 2013، كان لي شرف رئاسة لجنة نمو المدن المستقلة لدراسة اختلالات التوازن الجغرافي في الاقتصاد البريطاني، وكانت مهمتنا تتلخص في تحديد السبب وراء هيمنة لندن والجنوب الشرقي إلى هذا الحد، وكيف يمكن تحسين الأداء الاقتصادي في المراكز الحضرية الكبرى الأخرى.

كان الاستنتاج الأكثر أهمية الذي خلصنا إليه هو أن المدن الإنكليزية الشمالية الرئيسة كانت قريبة من بعضها بالقدر الكافي لتمكينها من التوحد في سوق مشتركة واحدة مماثلة في الحجم لتلك في منطقة العاصمة الحضرية لندن. وإذا أمكن تحقيق التكتل الاقتصادي والتجاري الذي تصورناه، فلن تصبح المملكة المتحدة موطنا لمركز تجاري واحد قائم على المدن ويتمتع بالقدرة التنافسية على مستوى العالم فقط، بل مركزين، الأمر المهم هو أن ما أصبح يسمى نموذج مركز القوة الشمالي جاء تصميمه على النحو الذي يجعله يكمل لندن، ولا يقوضها، من خلال المنافسة، لأن الهدف استعادة التوازن الجغرافي ورفع الأداء الإجمالي للنمو في المملكة المتحدة.

بعد أن تبنى وزير الخزانة جورج أوزبورن آنذاك الخطة في يونيو 2014، انضممت إلى حكومة رئيس الوزراء ديفيد كاميرون للمساعدة في إدارة عملية تنفيذ الخطة، ولكن بسبب الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، ترك الرجلان الحكومة بحلول الشهر التالي، وفي شهر سبتمبر رحلت أنا أيضا، ومع ذلك تمكنت من متابعة تقدم الخطة بصفتي نائب رئيس شراكة مركز القوة الشمالي، وهي منظمة غير حكومية أطلقها أوزبورن في خريف عام 2016.

منذ ذلك الحين كانت الرواية التقليدية حول مركز القوة الشمالي تتلخص في أنه فَقَدَ زخمه، وفي ضوء فوضى الخروج من الاتحاد الأوروبي، لا أحد يشك أنه سقط إلى ذيل الأجندة السياسية للحكومة، لكن هذا لا يعني أنه بات منسيا، ففي الشهر الفائت أشار فيليب هاموند، خليفة أوزبورن إلى أنه يعتزم الموافقة على مبلغ 39 مليار جنيه إسترليني لتمويل مبادرة سكك مركز القوة الشمالي الحديدية، ومن خلال تقليص زمن السفر والشحن بين المدن والبلدات الشمالية الكبرى، يَعِد المشروع بدعم الهدف الأصلي لخطة مركز القوة الشمالي.

منذ توليت رئاسة لجنة نمو المدن، كنت أعتقد أن الأمر الأكثر أهمية يتمثل بتأطير السياسات المعززة للإنتاجية في حدود الموقع الجغرافي لا صناعات أو قطاعات بعينها، فلا أحد يستطيع أن يعرف أي قطاعات الأعمال قد تكون لها الغلبة في المستقبل.

ما يدعو إلى التفاؤل أن مجموعة متزايدة من المعلقين والخبراء من ذوي الجدارة يركزون الآن أيضا على أهمية الأماكن المادية في ضمان استدامة الرأسمالية المعاصرة، وأكثرهم بروزا بول كوليير من جامعة أكسفورد، وهو واحد من الأصوات الرائدة على مستوى العالم في اقتصادات التنمية، وراغوارام راجان، محافظ بنك الاحتياطي الهندي السابق والأستاذ في كلية بوث لإدارة الأعمال في جامعة شيكاغو حاليا، ويحدوني أمل عظيم في أن تؤثر دعوتهم إلى انتهاج السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تتمحور حول المكان والمجتمع على صانعي السياسيات.

أما عن مركز القوة الشمالي الأصلي، فهناك من الأدلة ما يشير إلى تقدم متواضع، ومن المؤكد أن أداء لندن كان أفضل من أداء المناطق الشمالية على مدار العقد الفائت، ويفترض العديد من المراقبين الاقتصاديين أن لندن ستكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة التأثيرات المترتبة على الخروج البريطاني مقارنة بالمناطق الكثيفة التصنيع في شمال البلاد.

ففي آخر ثلاث سنوات بدأت المناطق الأخرى تتفوق على لندن، وكان أداء منطقة الشمال الغربي جيدا بشكل خاص، في حين نجحت يوركشاير في توسيع فجوة الأداء المتفوق الإيجابية، وكذلك تُظهِر المناطق المرتبطة بمركز القوة الشمالي قدرة متواصلة، كما تعمل الأدلة المروية وغير ذلك من الإحصاءات الاقتصادية مثل أسعار المساكن في السنوات القليلة الماضية على دعم بيانات مؤشر مديري المشتريات.

ربما يتبين لنا أن هذه الاتجاهات عرضية وعابرة، ولكن هناك من الأسباب ما يدعو إلى الاعتقاد بأنها تشير إلى حدوث تغير هيكلي أعمق في أعقاب سياسات خفض القيمة والتنمية المتواضعة التي تبنتها وستمنستر بين عام 2015 و2017. وإذا كانت الحكومة ملتزمة حقا بالاستثمار في مبادرة سكك مركز القوة الشمالي الحديدية، فبوسعها أن تضيف زخما قويا للتقدم الحالي، بحشد الغرائز الحيوانية للشركات الشمالية، والقادة المدنيين، والمواطنين.

* رئيس قسم إدارة الأصول الأسبق في غولدمان ساكس، ورئيس «المعهد الملكي للشؤون الدولية» حاليا.

«جيم أونيل*»

back to top