العيد للأطفال

نشر في 05-06-2019
آخر تحديث 05-06-2019 | 00:05
 طالب الرفاعي عيدكم مبارك، وأيامكم سعيدة، وعساكم من عايد العيد.

هي تحية العيد، وهي أماني العيد، وهي دعوات محبة ينطق به الإنسان ليعايد أهله وأحبته وأصدقاءه ومن يلتقي بهم طوال أيام العيد. كما بقية الديانات السماوية، في الإسلام، هناك عيدان: عيد الفطر وعيد الأضحى. وكلاهما مرتبط بمناسبة دينية. فعيد الفطر يأتي بعد صيام شهر رمضان، ويأتي بوصفه فرحة للمسلم، لكونه صام رمضان، وأقام صلاته، وأخرج صدقة الفطر للفقير. وفي مقابل ذلك يمنُّ الله على المسلم بأيام عيد، أيام فرح، وأيام وصلٍ مع الأهل والأقرباء.

وكذلك الحال بالنسبة إلى عيد الأضحى، أو عيد الحجاج، فهو يأتي بعد أداء المسلمين لمناسك الحج، وبالتالي هو أيضا هدية من الله لعباده المسلمين، بعد أن تعبوا وأدوا فرض الحج، بالرغم من المصاعب التي تعتريه.

العيد هو ممارسة فرحٍ يعيشها الإنسان المسلم، بعيداً عن ظرفه الخاص، وبعيداً عن حالته الصحية والنفسية، وبعيداً عن أي معاناة يعيشها. وربما هذه هي الرسالة الأسمى للعيد. فعيش لحظة فرح حقيقية، تهمي الروح بمطر يغسل أوجاعها، شأن شخصي جداً. وبالتالي إيجاد لحظات فرح جماعية، هو محاولة لصنع فرح في أيام ولحظات بعينها. ومؤكد مردّ ذلك، هو معرفة الخالق بأن البعض من الناس لا يتسنى له، لسبب أو بآخر، معانقة وعيش لحظة فرح شخصية، لذا يأتي الفرح الجماعي، فرح العيد، بوصفه تعويضاً عن الفرح الشخصي المفقود، وبوصفه ارتقاء فوق الظرف الشخصي، وتعزير لانتماء الفرد إلى الجماعة، وبالتالي عيش مظاهر فرح جماعي، حتى لو كان فرحا يلامس شيئاً بسيطاً من الروح. في حياة الإنسان، وفي يوم الإنسان، على مرّ التاريخ البشري، وحيثما كان، فإن لحظات الفرح هي العابر القصير، بينما ممارسة لحظات اليوم بروتينها وتعبها ومللها تعدّ الممارسة الأطول، والتي تحتل ساعات طويلة من يوم الإنسان. لذا فدفع الإنسان لممارسة فرح جماعي بتناسي ظرفه، هو تلبية مهمة لحاجة كبيرة كامنة في الروح البشرية. العيد في الإسلام قائم على وصلٍ مع الآخر، وفي هذا فلسفة عظيمة، فإذا كان الفرح الشخصي هو توحد للإنسان بمصدر فرح يخصه، فإن العيد، على خلاف ذلك، هو احتفاء بلحظة عامة، في طقس عام، طقس قائم على نكران الذات، وعيش لحظة فرح عبر الآخر، القريب والبعيد.

ويكتسب العيد مظهراً خاصاً ومهماً بأن يتواصل الغني والفقير، في العائلة الواحدة، وفي الحي، وفي عموم طبقات المجتمع. وكأن الإشارة الواضحة تقول: بالإمكان أن يكون الآخر هو مصدر فرح الروح.

ربما لأن الطفولة هي المرحلة الأهم في عمر أي إنسان، وربما لأنها صنو البراءة واللهو البريء، وربما لأن الإنسان موعود بملاقاة درب الحياة المترب، متى ما وعى شؤون الحياة وعاش منعطفاتها، لذا فإن العيد يركز على إدخال الفرح إلى نفسية الأطفال، سواء عبر شراء ملابس وكسوة جديدة لهم، أو عبر التقرب منهم، واحتضانهم وإشعارهم بالحنان، وأخيراً، وربما هذا الأهم بالنسبة للطفل، إعطاؤه شيئا من المال، العيدية، وبما يدخل فرحاً خاصاً لنفسه، ويحرك مخيلته في شراء من يحلم باقتنائه.

كنتُ طفلاً، وكان أبي، يرحمه الله، يردد جملته:

"العيد للأطفال". وبقدر ما كانت تعبر تلك الجملة أمامنا، نحن أبناؤه، فإنها كانت تستوقفني بتساؤلي: لماذا يكون العيد للأطفال فقط؟ وكيف به كذلك، وأنا أرى أبي وأمي وبقية أفراد أسرتي متزينين يرتدون أجمل الثياب، ويتعطرون بأطيب العطور، وهم يتبادلون التحايا والقُبل ومعايدة الأطفال بما تيسّر من المال.

بقيت لسنوات طوال أفكر بجملة أبي، والحين عرفت معناها، فقلوب الأطفال البريئة جاهزة لأن يدغدغها فرح العيد، ونفوسهم الطيبة مهيأة لأن تحملها فرحة العيد لسماوات ملونة. لكن، متى ما وعى الإنسان، ومتى ما كبر، ومتى بدأ بتحمّل مسؤولياته، ومتى ما عجنته دوامات الحياة، ومتى ما تلفّت لما حوله، وقتها سيدرك أهمية العيد، ووقتها سيدرك كم هزَّ العيد روحه حين كان صغيراً، وربما لحظتها سيفهم عبارة أبي ويرددها:

"العيد للأطفال".

وهل أجمل من العودة إلى عمر الطفولة؟!

back to top